صيف الأغنية المصرية.. ركاكة مدهشة للكلام

صيف الأغنية المصرية.. ركاكة مدهشة للكلام

خلال الشهر الماضي ومع موسم الصيف والحفلات، ظهرت مجموعة من أغاني البوب المصرية، التي حققت نجاحاً على مستوى المشاهدات والاستماع على المنصات المختلفة، لكن وسط هذه الأرقام، كان المشترك الوحيد بين هذه الأغاني هو الركاكة المدهشة للكلام المُغنّى، ركاكة تتوّج عقداً من تراجع أغنية البوب المصرية.

 

منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي، ومع بدء ظهور هوية واضحة للأغنية المصرية، كان الكلام هو الجزء الأبرز من نجاح الأغاني مع شعراء مثل بديع خيري، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، وحسين السيد، وفتحي قورة، وغيرهم. نجح هؤلاء في خلق علاقة حميمة بين المستمع والكلام المُغنّى. وعند الحديث عن الشعر العامي المصري المُغنّى فإننا نتحدّث عن الأغنية العاطفية وتلك الاجتماعية أوالوطنية، إلى جانب المونولوغ الفكاهي الذي ناقش قضايا جادة أو خفيفة لكن بكلام كوميدي. ولعلّ أشهر من قدّم هذا اللون كان المونولوجيست محمود شكوكو، وإسماعيل ياسين، وثريا حلمي، الذين اشتهروا بأعمال وطنية وعاطفية واجتماعية مقدّمة بقالب ساخر يحمل الكثير من الواقعية والحرفية والموهبة في صياغة الكلام. وفي مرحلة لاحقة برز شعراء من طينة عبد الرحمن الأبنودي، الذي جسّد قدرة الشاعر على التمييز بين الكلام المكتوب للغناء وذاك المكتوب ليبقى قصيدة لا تُلحّن ولا تُغنّى. ولعلّ أثر الأبنودي على الأغنية المصرية الحديثة، هو الأوضح حتى اليوم. ما سبق عن الأبنودي مثال على وجود هوية شعرية طبعت كل مرحلة من مراحل تطوّر الأغنية المصرية. هوية تناسبت مع التطورات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد، سواء خلال عهد الملكية، أو الناصرية أو الساداتية، وصولاً إلى حكم محمد حسني مبارك. فلا تزال أعمال شعراء من طينة عصام عبد الله ومجدي النجار، والتجديد الذي أدخلاه على الأغنية المصرية في الثمانينيات والتسعينيات حاضرة، من خلال أغاني محمد فؤاد، ومحمد منير، وعمرو دياب، وشيرين، وسيمون، وعلاء عبد الخالق، وليلى غفران، وغيرهم عشرات الفنانين والفنانات الذين شكلوا المشهد الحديث للبوب المصري، وربما العربي. ولم تبخل الساحة الفنية المصرية علينا إذاً بالشعراء الذين قدموا كلاماً ميّز الأغنية المحلية عن جاراتها العربية، وجعلها تخاطب الجمهور على اختلاف جنسياته، عابرة الحدود، وصانعة شكلاً واضحاً للغناء المصري. حتى مع بداية ظهور الفرق المصرية ووصولها إلى قمة شهرتها بعد ثورة  يناير 2011، تابعنا صعود شعراء شباب كثر، مثل منتصر حجازي، وحازم ويفي، ورامي يحيى وغيرهم من الشعراء، مع الإشارة إلى شاعر واحد تميّز بموهبة واضحة وفجة، وساهم بشكل كبير في نجاح فرق وفنانين مستقلين كثيرين، هو ميدو زهير، لكنّ رحيله المفاجئ عام 2020 وضع حداً لهذه المسيرة المختلفة عن مسيرة كل مجايليه. كان ميدو زهير هو العنصر الأهم في نجاح “بلاك تيما”، كما عمل مع فنانين شكلوا ركن المشهد الموسيقي البديل في مصر والعالم العربي مثل موريس لوقا، وتامر أبو غزالة، وعشرة غربي، ووسط البلد. ثمّ جاءت موسيقى المهرجانات وبعدها الراب لتغيّر المشهد الشعري الغنائي ومشهد الإعلانات والسينما والدراما، وتحقق نجاحاً مفاجئاً في مصر، وهو ما أربك شعراء الأغاني التقليديين، خصوصاً هؤلاء الذين يكتبون أغاني البوب، ما جعلهم يحاولون تقديم كلام يلامس حدود المهرجانات. وقد أدى ذلك إلى خلق لون غنائي غير متجانس، فلا هو بوب، ولا هو راب، ولا هو مهرجانات، لون لا هوية له، وفاقد لأي هيكل شعري متماسك ليصل الامر اليوم، إلى أغاني الصيف من “يا ليالي” لأحمد سعد وروبي، إلى “الساحل الشمالي” لمحمد منير وميريام فارس، أو سلسلة الأغاني التي نشرها عمرو دياب، حيث غاب الكلام الذي قد يعلق في الذاكرة، أو الأغاني التي يستمر نجاحها أكثر من أيام الصيف، وهو ما يجسّد ضبابية هوية أغنية البوب المصرية في السنوات الأخيرة.

 

ق.ث