في امتحان سردية التضامن العربي

صور وملاحم الالتفاف حول الجزائر ثورة وشعبا

صور وملاحم الالتفاف حول الجزائر ثورة وشعبا

لم يسجل التاريخ العربي المعاصر أي اتفاق أو إجماع حول أية قضية من القضايا العربية والإقليمية باستثناء الإجماع العربي الوحيد حول القضية الجزائرية إبان فترة الخمسينات وأوائل الستينات من القرن 20 ، ولم تنل ثورة من الثورات التحريرية في تاريخ العرب المعاصر ما نالته ثورة التحرير الجزائرية من حيث الدعم والمساندة الرسمية والشعبية ، سياسيا ودبلوماسيا وماليا وعسكريا وثقافيا .

لم يكن في وُسع الأنظمة العربية إلا أن تكون في صف الثورة، بتبني مطلب التحرر، والتحرك الدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي لاستجلاب التأييد العالمي للقضية الجزائرية. ولا شك في أن كل ذلك أعطى زخما دوليّا مهما للثورة الجزائرية.

فقد ظهر تضامن البلدان العربية وشعوبها منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة، بشكل متفاوت الحجم والنوع في الميدان، لأن بعضها كان لا يزال يعيش هو نفسه تحت الاحتلال أو الحماية.

القاهرة.. بنك الثورة

الوفد الخارجي للثورة الجزائرية في مهمة دبلوماسية بمصر (أرشيف خاص)

ويُجمع المؤرخون على أن أرض الكنانة كانت أول وأكبر الداعمين لها، ومن إذاعتها انطلق نداء أول نوفمبر إلى العالم، وكانت أهم مصدر للدعم المادي بالسلاح والمال، حتى اعتبرت فرنسا أن جسم الثورة موجود في الجزائر ورأسها بالقاهرة، على حد وصف المؤرخ بشير ملاح.

ونسّقت “المنظمة الخاصة” خلال فترة التحضير لتفجير الثورة مع الرئيس جمال عبد الناصر، وهو الوحيد الذي تم إبلاغه سلفا بالقرار عن طريق الوفد الخارجي بالقاهرة.

ليبيا قاعدة خلفية لوجستية وسياسية للثورة الجزائرية

ويذكر توفيق مدني أن ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي أمر فور مقابلته في قصره بتمرير السلاح القادم من مصر عبر الحدود البرية الليبية، لتتحوّل أراضيها إلى قاعدة خلفية ولوجستية وسياسية ومستودعات أسلحة للثورة الجزائرية وإلى مراكز تدريب وشبكات تسليح. كما وفرت إقامة خاصة لقيادة جبهة التحرير، حيث أمّنت تنقلاتهم دون مراقبة أو إزعاج، بشهادة توفيق مدني. وكشف رئيس الجزائر الأول أحمد بن بلة أن الثورة انطلقت في بدايتها بـ400 قطعة من البنادق الإيطالية وصلت سرا من ليبيا. ويؤكد المؤرخ الطاهر جبلي أن تهريب الأسلحة لاحقا من مصر إلى الجزائر، عن طريق شاحنات التجار الليبيين، كان يتم تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها، بأوامر من الملك إدريس نفسه.

تونس.. البوابة الشرقية والدرع الخلفي للثورة

Demonstrators supporting the independence of Algeria parade through the streets of Tunis on May 1, 1956 by displaying flags and banners of the FLN (Front of National Liberation). (Photo by - / INTERCONTINENTALE / AFP) (Photo credit should read -/AFP via Getty Images)

من جهتها، مثّلت تونس البوابة الشرقية للدعم وإدخال المؤونة الحربية، فقد اعتبر القيادي التونسي يوسف صالح استقلال بلاده ناقصا ما لم تستقل الجزائر، واضعا رجاله المقاومين السابقين للاحتلال الفرنسي تحت تصرف الثورة الجزائرية.

إيران مع الثورة الجزائرية شعبا ودولة

حظيت الثورة الجزائرية المجيدة ضد المستعمر الفرنسي بدعم من قبل أبناء الشعب الإيراني، كالمفكر الإيراني الكبير الدكتور علي شريعتي، حيث حمل لواء مناهضة الاستعمار الفرنسي وهو في قلب فرنسا، واصطف إلى جانب ثورة الشعب الجزائري، ودافع عنه وسجن بسبب ذلك، وموقفه كان مدعوما بموقف شعبي في إيران يناصر هذه الثورة.

“ضريبة الدم والمال”.. وقفة سعود وفيصل التاريخية تشهد على دعم السعودية للثورة الجزائرية

وثائق تاريخية تكشف دعم السعودية لكفاح الجزائر - الأخيرة : البلاد

“أنتم تدفعون ضريبة الدم، ونحن ندفع ضريبة المال.. والله يوفقنا جميعًا”.. تلك كانت كلمات الملك سعود – رحمه الله – للمناضل الجزائري الشهير توفيق المدني، وهي أحد أشكال الدعم الكبير الذي قدمته السعودية لبلد المليون شهيد في خضم ثورتها المجيدة التي أشعلتها من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسي، والموقف التاريخي الذي اتخذته السعودية انطلاقًا من دورها العروبي والإسلامي في دعم أشقاء لها في العرق والدين والإنسانية.

العراق والمدد المنظم

وعن مساعدة العراق للثورة الجزائرية نترك القلم للأستاذ توفيق المدني (الوزير في الحكومة المؤقتة آنذاك) ليحدثنا عن مثل هذه المواقف الرائعة للأشقاء حيث يقول في مقال له تحت عنوان “العراق والمدد المنظم” منشور في مجلة الأصالة (عدد نوفمبر 1974) ما نصه:  “… عقد عبد الكريم قاسم مجلس الوزراء ودعانا إلى حضوره. في بناية وزارة الحربية، فرحب بنا ترحيبا حارا بليغا… فشكرت العراق شعبا وحكومة على ما بدأه من روح ثورية عالية… وقلت بعد أن شرحت الموقف الحربي: الآن جاءت الساعة الحاسمة ساعة بعدها النصر أو الفناء، المال أو السلاح، هذا ما نطلب من العراق… قال عبد الكريم قاسم: كفاح الجزائر أمر أساسي في كفاح العرب، ولن ينجح العرب أصلا في مستقبل أيامهم، ما لم تفز الجزائر باستقلالها، كلنا للجزائر! أما السلاح فسنعطيكم سريعا مما عندنا ومن أجود الأنواع، وأما المال فهو قليل بين أيدينا لكننا لن نبخل عليكم بشيء، وسنتحمل فوق ما نستطيع، قلت المال بالنسبة لنا اليوم كالسلاح… نطق السيد حديد وزير المالية فقال: لا نجد بين أيدينا اليوم شيئا من المال… فأجابه قاسم بلهجة شديدة: سواء أكان عندنا المال أو لم يكن عندنا منه شيء فواجبنا إمداد الجزائر حاليا، أخِّر دفع مرتبات الموظفين، أخِّر المشروعات التي لديك، أخِّر كل شيء إلا الجزائر! يجب أن تغاث حالا…”.