لصلة الرَّحِم عنايةٌ عظيمة وأهميَّة وأوليَّة في الذِّكر من بين سائر الأعمال الصالحة؛ يقول تعالى: ” وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ” الأحزاب: 6. وجعَل الله تعالى الوصيَّة بصلة الأرحام قرينةَ الوصيَّة بالتقوى؛ فقال تعالى: ” وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ” النساء: 1؛ أي: اتَّقوا الله تعالى بفِعلِ طاعته وترْك معصيته، واتَّقوا الأرحامَ أنْ تقطَعُوها، ولكن صِلُوها وبرُّوها، ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أوصَلَ الناس لرَحِمِه وأتْقاهم له، ولذلك ذكَّرَتْه خديجة بذلك عند أوَّل نزول الوحي حين قال لخديجة وأخبرها الخبر: “إنِّي قد خَشِيتُ على نفسي”، فقالت: كلا، والله ما يُخزِيك الله أبدًا؛ إنَّك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتُعِين على نوائب الحق” رواه البخاري.
ولقد كانت الدعوة لصلة الرَّحِم من أوائل ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أوَّل بعثَتِه، كما في الصحيح من حديث أبي سُفيان مع هرقل حين سأَلَه هرقل قائِلاً: فماذا يأمُركم؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سيفان: قلت: يقول: “اعبُدُوا الله ولا تُشرِكوا به شيئًا، واترُكوا ما يقول آباؤكم، ويأمُرنا بالصلاة والصدق والعَفاف والصِّلة” رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضِي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليَصِل رحمَه” رواه البخاري، فقد جعَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صِلَةَ الرَّحِم من واجِبات الإيمان وعَلاماته. وقد رغَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلة الرَّحِم، وحَذَّرَ من قَطِيعتها بغايةٍ من البَيان والوُضوح، مُذكِّرًا بسُرعَة ظُهور آثار الصِّلَة أو القَطِيعة على الإنسان، وأنَّ ذلك من عاجِل الجَزاء؛ ففي سنن ابن ماجه عن عائشة رضِي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسرَعُ الخير ثوابًا البرُّ وصِلَةُ الرَّحِم، وأسرَعُ الشر عقوبةً البغيُ وقطيعةُ الرَّحِم” رواه ابن ماجه.