تنعكس صعوبات فترة المراهقة على الحياة العامة للأسرة، إذ غالبا ما يلجأ الطفل المراهق إما إلى الانزواء والانطواء والتمرد أو العصيان، كما تأخذ العلاقات الغرامية نصيبا وافرا من هذه الفترة، وهذا ما لا يتقبله الكثير من الأولياء، خاصة بالنسبة للفتيات اللواتي تُدخلهن فترة المراهقة في متاهات البحث عن الحب وتحقيق الحرية المزعومة.
يقوم الشباب والفتيات في مقتبل العمر بتغيير أشكالهم والقيام بتصفيفات أقل ما يقال عنها إنها في منتهى الغرابة ومتزينين بقلائد وإكسسوارات كثيرة زادت من تميزهم واختلافهم عن غيرهم، متبعين أحدث صيحات الموضة وضاربين بذلك عرض الحائط لثقافتنا ومجتمعنا المحافظ بعيدا عن آباء غير مبالين بسلوكيات أبنائهم، فأول ما يلاحظ على المراهق هو تصرفات توحي لنا بأنه يتمتع بنوع من الاستقلالية ويحاول فرض رأيه في مختلف الأمور، إذ تشتكي أمهات كثيرات من صعوبة التعامل مع أبنائهن في هذه المرحلة بدءا بالاهتمام بالمظهر الخارجي والانجذاب للطرف الآخر، إذ يصبح المراهق في هذه المرحلة صعب المزاج ولا شيء يرضي ذوقه خصوصا ما تعلق باللباس، إذ تجد الكثير من الفتيات وبمجرد ظهور علامات الأنوثة على جسدهن، يسارعن لاستعراضها واستظهارها بمختلف الملابس الضيقة وشبه العارية اقتداء بنجماتهن المفضلات ولغرض جذب أكبر عدد من المعجبين.
من جهتهم، الشباب يتفننون في تحليقات شعورهم واستعمال أحدث الماركات من العطور واختيار أفضل ما يرتدون لكسب أكبر عدد من المحبين، وتتم هذه الأمور في غالب الأحيان بعيدا عن علم الآباء
وكل أفراد الأسرة، إذ يتم اللقاء بين المحبين خلسة وبعيدا عن كل الأنظار، أما في أحيان أخرى وبداعي التفتح والتحضر، نجد الكثير من الأولياء يعلمون بتلك العلاقة إذا تعلق الأمر بالابن قد يكون مقبولا، أما إذا كانت البنت طرفا تحرم من الدراسة وتبقى حبيسة الجدران وبعض الأولياء لا يعارضون ذلك ولا يراقبون تصرفات أبناءهم لينتظروا حتى وقوع الكارثة ويتحسرون ندما على فعلة بناتهم.
تمرد على العائلة والأخلاق
يعج الواقع بقصص كثيرة لفتيات في عمر الزهور دفعت بهن أخطاء المراهقة لدفع الثمن غاليا و”زينة” واحدة منهن، فقد تعرفت على شاب في مرحلة مراهقتها وأحبته وكانت تلاقيه خفية عن أهلها، قدمت لرفيقها أعز ما تملك في لحظة ضعف، ولما أدركت ما فعلت في حق نفسها قررت مغادرة بيتهم العائلي دون رجعة حاملة معها عارها لتبقى هاربة خوفا من شقيقها الذي سيقتلها على حد قولها إن رجعت، وهي الآن في الشارع الذي يعرضها لمختلف أنواع الأخطار.
وقصة “زينة” ليست استثناء، فغيرها كثيرات وما هي سوى عينة من مئات المراهقات اللواتي ارتكبن أخطاء وربما لن يدركن عواقبها إلا بعد أن يرشدن، مع اختلافهن في كيفية التعامل مع الخطأ، فعلى عكس “زينة” فضّلت “أمينة” العودة لأهلها بعدما أنجبت طفلة في مرحلة المراهقة ولكنها كانت قوية ورجعت إلى بيت أهلها الذين تنكروا لها في البداية لكنهم قبلوا بها ورأوا في عودتها إلى البيت رغبة منها في عدم الانحراف، ثم تعرفت على رجل آخر وتزوجت به وأنجبت منه أطفالا آخرين. رغم أن ذلك يبقى نقطة سوداء في حياتها، كما تقول، حتى من زوجها الذي تقبلها في البداية وستر عليها، أصبح اليوم يذكرها بماضيها ويسخر منها، أما “وافية” ففضلت التوجه إلى مصالح الأمن للتبليغ عمن اغتصبها بعدما وعدها بالزواج ثم أجبرها على الإجهاض، ولم تكن تعلم أن الإجهاض جريمة يعاقب عليها القانون، بلغت عن نفسها، فكان مصيرها السجن.
التدخين.. المخدرات أول وجهة للمراهقين
أثبتت الدراسات أن معظم المراهقين عرضة للتدخين وهم يكتسبون العادة من الأسرة والأصدقاء وحتى المعلمين، وفي ثاني مرحلة من الانحراف تأتي المخدرات وذلك بعد الالتحاق بمراحل دراسية أعلى والاختلاط بشباب أكبر سنا، إذ يواجه المراهق بأنشطة جديدة يمارسها هؤلاء مما يوقعه مرة أخرى في فخ الفضول والتجريب وصولا إلى الإدمان والمعاناة، حال العديد من أبنائنا الذين يصبحون تحت تأثير المخدرات منصاعين لأوامر رفقائهم، مثلا الشاب “محمد” الذي لا يتجاوز عمره 13 سنة وبعدما كان المعلمون يضربون به مثالا أعلى في الأخلاق ومن أنجب التلاميذ، انقلب فجأة والسبب رفقاء السوء الذين يصاحبهم وأصبح خاضعا لهم وأصبح بعدها متشردا يدخن وغير ملتزم، وفي يوم من الأيام في إطار دورية روتينية لرجال الأمن، اقتادت الشاب ورفقاءه إلى التحقيق بعدما عثروا بحوزتهم على سجائر محشوة بالكيف المعالج.
وحسب علماء النفس، فإن السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم الآباء عن مفاهيم الأبناء واختلاف البيئة التي نشأ فيها الأهل وتكونت شخصيتهم خلالها، فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يصعب على الآباء الحوار مع أبنائهم لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم أو أنهم لا يستطيعون فهمهم أو أنهم – حتى إن فهموها – ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم، “أمين” مثلا يقول إن والديه لم يسألاه يوما عن سبب غضبه عكس أصدقائه، المهم أن يغرب عن وجهيهما ويظل في الشارع، وكأن الشارع هو الحل الكفيل للأبناء والمكان الآمن.
ل. ب




