شهر نوفمبر … نقطة البداية

شهر نوفمبر … نقطة البداية

حملت الجزائر لقب “بلد المليون شهيد ونصف المليون شهيد” بعد أن روى أبناؤها ثرى الوطن بدمائهم الطاهرة، وبعد أن ثار الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي في الأول من شهر نوفمبر من سنة 1954م. استمرت أحداث المعركة حامية الوطيس لسبع سنوات ونصف السنة ما بين كفاح مسلّح وعمل سياسي، وفي الخامس من شهر جويلية سنة 1962م حققت الجزائر انتصاراً عظيماً سُجّل في صدر التاريخ العربي. وانتهج الثوار الجزائريون في ثورتهم هذه ضد الاستعمار الفرنسي أسلوب حرب العصابات، إذ كانت الوسيلة الأمثل والوحيدة لمواجهة هذه القوة الجرارة وهزيمتها، فاتخذت الحرب صفة الحرب البسيكولوجية بشكل كامل مع ما قابلها من عمليات عسكرية، مع العلم من أن قوات الاحتلال الفرنسي كانت تضم قوات مجهّزة بأكبر التجهيزات فمنها قوات الكوماندوز، والمظلييّن، والمرتزقة، بالإضافة إلى قوات حفظ الأمن وقوات الاحتياط، ولقي الشعب الجزائري الدعم والتأييد من قوات جيش التحرير الوطني، بالإضافة إلى دعم الجاليات الجزائرية في بلد المهجر.

ووقعت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي في الخامس من يوليو سنة 1830م، وتحججّت القوات الفرنسية بحادثة المروحة حتى تكون سبباً في إخضاع الجزائر لاحتلالها، ولكن فرنسا في الواقع كانت تنوي الاحتلال منذ فترة حكم نابليون بونابرت، وكان عدد الجنود الذين نزلوا في الجزائر عبر ميناء طولون ما يفوق 37.600 جندي بقيادة لوي أوكست بورمون، في الفترة ما بين 10-24 من شهر أكتوبر سنة 1954م عقدت لجنة الستة اجتماعاً لتضع آخر اللمسات على أمر اندلاع الثورة التحريرية، فأفضت الجلسة إلى منح مسمى “جبهة التحرير الوطني” للتنظيم الذي ينوي الثورة وقيادتها، وأن يكون جيش التحرير الوطني هو الجناح العسكري لها. تتمثل مهمة جبهة التحرير بالتواصل مع التيارات السياسية التي تتألف منها الحركة الوطنية والحث على الانضمام لصفوف الثُوّار، بالإضافة إلى تشجيع الجزائريين على التجنّد ضد الاستعمار الفرنسي للانطلاق في الأول من نوفمبر من سنة 1954م في الثورة الجزائرية. كما شكلت الإمكانيات المادية والبشرية ضرورة ملحة لقادة الثورة باعتبارها من المسائل الحيوية والحساسة لانطلاق الكفاح الثوري ونجاحه، وأجمعت المصادر التاريخية المكتوبة والشفوية على أن الإمكانيات المذكورة المتوفرة عند انطلاق العمل المسلح كانت ضئيلة جدا، إذ لم يتجاوز عدد المجاهدين في ليلة أول نوفمبر 1954 ما يقارب 1200 مجاهد على مستوى التراب الوطني مسلحين ببنادق صيد وبنادق أوتوماتيكية من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وبحوزتهم قنابل تقليدية وسكاكين وفؤوس وعصي. واستهدفت هجومات الأفواج الأولى لجيش التحرير الوطني المراكز الحساسة للسلطات الاستعمارية في العديد من مناطق الوطن، في مقدمتها الثكنات العسكرية، مخازن الأسلحة لجيش الاحتلال، محافظات الشرطة، مراكز الدرك، مزارع المستوطنين التي استحوذوا عليها بالقوة، البنايات الإدارية والمدنية، الوحدات الصناعية والاقتصادية والشبكات الكهربائية والهاتفية، نسف الطرق والجسور.