يتميَّز هذا الشهر عمَّا سواه بالحِرْص من الجميع على الإقبال على الله، الطائعين والعاصين على سواء. ويختصُّ هذا الشهرُ بأحداث عظيمة وقعتْ فيه، تحتاج مِن كلِّ مسلِم إلى تذكُّر وتدبُّر وتفكُّر؛ لينتفعَ بمواضعِ العبرة، ويجني بها الثمرة فمنها، بل أهمها على الإطلاق: بدايةُ نزول الوحي الكريم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غار حراء، وقد جلس في خلوته يتعبَّد، فنزل عليه جبريل عليه السلام بأوَّل كلمة قرآنية، فكانت: “اقْرَأْ”، وهي دعوة إلى العِلم الذي يصل العبدَ بربه وخالقِه، ويدرك به الخشية: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” فاطر: 28، وفي بدءِ نزول القرآن في رمضان على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في الغار يتعبَّد تنبيهٌ لطيف على أنَّ رمضان هو شهر القرآن، وأنَّه شهر العبادة الخاصَّة، وأنَّه شهر الانقطاع إلى الله، متمثِّلاً في الاعتكاف، وقد اختاره الله لذلك من بين سائر الشُّهور، مع أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان ينقطع إلى العبادة في غار حِراء في غيره من الشهور، فاختيار هذا الشهر علامةٌ على فضله وارتفاعِ درجته دونَ غيره.
ومِن الأحداث التي وقعتْ في رمضان غزوة بدر الكبرى، وذلك في السابع عشر من رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة، وكان في هذه الغزوة المباركة أوَّل انتصار حاسِم للإسلام على الكفر، وقد ظَهَر فيها بوضوح مددُ الله وتوفيقه لأوليائه الذين صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه؛ كما قال الله عز وجل “فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى” الأنفال: 17
وفي شهر رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة فُرِضت زكاة الفطر التي هي طُهرةٌ للصائم، وطُعْمة للمساكين، ومن لطائف أحكامها أنَّها تجب على مَن يملك قوتَ يوم وليلة، وهذا نصابها، وهو ميسور لكل فقير، وهذا يعني أنَّها تجب على الفقراء، فلمَن يُعطيها الفقير؟ _يُعطيها لفقير آخَرَ.
وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعدادُ لغزوة الخندق، أو الأحزاب التي انتصر فيها المسلمون بفَضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة، وفي شهر رمضان كان الفتحُ الأكبر فتح مكة، وكان ذلك في الحادي والعشرين من رمضان في السَّنة الثامنة من الهجرة.