قال الله تعالى في محكم التبيان، واصفا رسالة سيدنا العدنان محمد عليه الصلاة والسلام: “وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين” الأنبياء 107. عباد الله: إن الحديث عن ميلاد النور في شهر الأنوار لحديث ذو شجون، لا تفي ببسطه أسفار ولا مجلدات، ولا تتسع له دروس ولا محاضرات، لأن صاحبه قد بلغ الكمال البشري، وارتقى بأخلاقه إلى الملإ العلوي، وحسبنا أن نبذل الوسع والجهد لنقف على جزء من هذه الشمائل المحمدية، عليه أفضل صلاة وأزكى تحية. لقد عاشت البشرية بعد انقطاع الوحي برفع روح الله وكلمته عيسى بن مريم عليه السلام إلى السماء ظلاما حالكا من الجاهلية الأولى: شركٌ وضلال؛ وانحطاط في منظومة القيم والأخلاق، وانحرافٌ كبير عن هدي السماء الذي جاء به الرسل والأنبياء، وإن من رحمة الله بالعباد أن جدَّد أنوار الهداية الإلهية بميلاد سيد البشرية محمد عليه الصلاة والسلام أولا، ثم تتابعت الفيوضات الربانية ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين ثانيا، فصارت شريعته مهيمنة على كل الشرائع السماوية من قبلُ، ولم يُقْبَل من أحد بعد بعثته صرفٌ ولا عدل، إلا أن يطرق بابه عليه الصلاة والسلام، ويتبعَ ملته، ويرفعَ لواءه، فقال تعالى: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.
أمة الاتباع: إن ليلة المولد الشريفة لهي بحقٍّ إيذان صريح بميلاد النور، حيث تذكر كتب السيرة أن آمنة أم رسول الله عليه السلام رضي الله عنها رأت حين وضعت رسول الله عليه السلام نورا أضاءت منه قصور الشام-رواه الطبراني في المعجم الكبير-، وفي تلك الليلة الغراء ارتجس إيوان كسرى؛ وسقطت منه أربع عشرة شرفة؛ وخمدت نار فارس؛ ولم تخمد قبل ذلك بألف عام؛ وغاضت بحيرة ساوة، -وقد روى كلَّ هذه الأخبار أصحاب التاريخ كابن جرير وابن كثير وغيرهما-، فكانت هذه الإرهاصات علامة على أن الأرض ستستعيد عافيتها بعد ظلام دامس، طمسَ معالم التوحيد والهداية دهرا من الزَّمن. أمة النور والهداية: إن الله تعالى قد أكرمنا بنور الوحي الذي أضاءت له السماوات والأرض، فقال تعالى: “قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام؛ ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) -المائدة: 15-16 – وقد خُصَّ قلبُ المصطفى عليه السلام بهذه المكرُمة النُّورانية أولا، فكان فؤاده وعاء لكلمات الله الخالدة، ثم انبعث هذا النور الرباني إلى قلوب أتباعه من المؤمنين والمؤمنات، فأشرقت أفئدتهم نورا وصل هُداهُ إلى العالمين.
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر