أنت في نعم عميمة وأفضال جسيمة ولكنك لا تدري، تعيش مهمومًا وعندك الخير الدافئ والماء البارد والنوم الهانئ، لا تشعر بلذة ولا ترى متعة أتدري لماذا؟ لأنك تفكر في المفقود ولا تشكر الموجود. نعمة الإيمان وما بعدها نعمة، هل فكرت يومًا أن ملايين البشر من حولك في بحار الكفر غارقون، وفي النار هم خالدون.. تأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص، والمح عقلك وقد أنعم الله عليك بحضوره فلم تفجع بجنون أو ذهول..
هل فكرت أن تذهب إلى المستشفيات لترى المقعدين الذين لا يملكون حراكاً؟ ولترى في قسم الحرائق ماذا فعلت النيران بالوجوه؟ لترى في قسم العيون من فقدوا أعينهم؟ هل رأيت أصحاب المحاليل المعلقة؟! هل رأيت من عاشوا حياتهم في المستشفيات ثم فيها ماتوا؟. كان بكر بن عبد الله المزني يقول: يا ابن آدم إذا أردت أن تعرف قدر ما أنعم الله عليك فأغمض عينيك. كل هذه النعم التي فقدها الآخرون وملكتها أنت هل شكرت الله عليها؟. وسُئل بعض الصالحين كيف أصبحت؟ قال أصبحت وبي نعم لا تُحصى مع كثير ما يُعصى، فلا ندرى علام نشكر؟ أعلى جميل ما نشر أم على قبيح ما ستر؟
والشكر منحة إلهية وعبادة قلبية ما منحها الله عبداً إلا فاز بالمزيد من خيري الدنيا والآخرة، قال تعالى ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ” إبراهيم:7. ولعلو رتبة الشكر طعن اللعين إبليس في الخلق قائلاً ” وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ” الأعراف:17. وصدق وهو كذوب قال تعالى ” وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ” سبأ:13. لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ ” إني أحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني. قال ابن القيم: وحقيقته، ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافاً وعلى قلبه شهوداً ومحبة وعلى جوارحه انقياداً وطاعة “.