اعتمدت اليونيسكو في مؤتمرها العام خلال دورته الثلاثين المنعقد في باريس عام 1999 يوم 21 مارس من كل سنة يوما عالميا للشعر. وتهدف هذه المناسبة لتعزيز نشر وكتابة وتدريس الشعر وإعطاء نفس جديد لهذا
المجال في كل مرة.
والجزائر لا تختلف عن باقي البلدان في إحياء هذه المناسبة بتنظيم ملتقيات وأمسيات شعرية يشارك فيها عدد كبير من الشعراء من مختلف مناطق الوطن. وإحياء لهذه المناسبة، ارتأت “الموعد اليومي” أن تتحدث مع أهل الاختصاص عن واقع الشعر في الجزائر.
توفيق ومان (رئيس الجمعية الجزائرية للأدب والشعر الشعبي)

“واقع الشعر في بلادنا أستطيع القول إنه في مصحات الإبداع ويشكو العديد من الأمراض وخصوصا الإدارية التي تعرقل مسارات المبدع وتحفيزه على العطاء بكل راحة. ورغم أن الدولة الجزائرية وفرت دور الثقافة عبر كامل تراب الوطن، لكن الوزارة المعنية لم توفق في تحقيق هدفها المنشود واقتصرت على تنظيم بعض الأمسيات الشعرية وملتقيات محتشمة لم تعط حق الشاعر ليغوص في خياله الإبداعي”.
وأضاف “وبخصوص ما يقدمه الجيل الجديد من الشعراء من قصائد شعرية في الفصيح أو الشعبي، أقول إن هناك العديد من الأسماء التي برزت على الساحة الوطنية وفرضت نفسها ونالت جوائز عربية ودولية، مما يؤكد أن هناك جيلا مبدعا حقق لنفسه مكانة في هذا المجال يقارع من خلالها الكبار. بالنسبة للشعر الشعبي سجلنا طفرة لبعض الشعراء الذين استطاعوا أن يبرزوا في جو الشعر الحداثي وحققوا ذاتهم عربيا بعدما تمكنوا من التخلص من النمطية والتقليد الذي ما زال جل الشعراء الشعبيين الجزائريين يتخبطون فيه بحجة المحافظة على التراث”.
بشير تهامي: الشعر في الجزائر بخير

“الشعر في الجزائر بخير وخاصة الشعر الشعبي. أما بخصوص المهرجانات، عفوا أنا لا أسميها مهرجانات، بل هي مجرد جلسات يلتقي فيها نفس المدعوين كل مرة، وهي لا تعبر عن نوعية الشعراء والشعر في الجزائر، لأن أغلبية الشعراء الفطاحل مهمشون والشعراء الموجودون في الساحة فيهم من لا يستحق حتى اسم هاوٍ.
حورية آيت إيزم: الشعر الجزائري حقق مكاسب كثيرة

“عرف الشعر الجزائري تحولات تراكمت منذ مطلع الثمانينات مع الراحل عبد الله بوخالفة الذي يعتبر الأب الروحي للحداثة الشعرية الجزائرية. والأكيد أن خارطة المشهد الشعري متنوعة، إذ أنه يمكن أن نجد حساسيات متعددة. فهناك الجبهة المحافظة التي تبدع في إطار القصيدة العمودية، وهناك شعراء الحداثة الذين يبدعون في إطار شعر التفعيلة وقصيدة النثر وتتعايش أجواء التصوف مع قصيدة الهايكو الضاربة في التأمل والتكثيف.
ولا يختلف اثنان أن الشعر الجزائري حقق مكاسب جمة رغم وجود فراغات بحكم أن التجربة فتية. ولا ننسى أن هناك جهات بأكملها أهلها شعراء كوادي سوف والجلفة وبسكرة. وأقول أيضا إن الشعر في الجزائر بخير بدليل الجوائز العربية التي يحصدها شعراء الجزائر المعاصرة. ومن أهم شعراء الجزائر اليوم أولئك الذين اصطلح عليهم نقديا بشعراء الما بين، أي الشعراء الذين ظهروا في الثمانينيات وبرزوا في التسعينيات والأسماء كثيرة أذكر منها أحمد عبد الكريم، عبد القادر مكاريا، حكيم ميلود، نصيرة محمدي وسليمي رحال. وهناك أسماء أخرى واعدة ولها حضورها ومنها طارق خرف الله، رياض منصور، نصيرة مصباح. وفي المقابل هناك أصوات أخرى ما زال منجزها الشعري متواضعا بحكم ارتباطها بقوة بوسائل التواصل الاجتماعي التي لا تساهم في بلورة وتطور الوعي الشعري الذي يفترض الاحتكاك المباشر بعيون الشعر في المنجز العربي أو الغربي في مستوياته المتعددة”.
قادة دحو: أتمنى وأشجع بعض الأعمال الواعية بالمشهد الثقافي

“عند التطرق لواقع الشعر الجزائري بشقيه الفصيح منه والشعبي تحديدا، أرى أن الكتابات الراهنة وسابقاتها على سبيل المقارنة لا تواكب ما يدور وما ينسج حولنا في العالم من صحوة تطورت إبداعيا من الحسن إلى الأحسن على مر الزمان.. صحوة ثقافية جديرة بالوقوف لها احتراما والتعامل معها كمرجعية بالنظر إليها من نافذة ثقافية وإنسانية كحياة لا من باب السيادة والريادة، وذلك راجع إلى السبل المنتهجة والمعتمدة بشكل خاطئ في ممارسة الكتابة من طرف جل شعراء الشعبي والفصيح وقيام أعمالهم على أسس هشة، يرى الشاعر نفسه مصيبا فيها بقصد أو غير قصد، وهذا راجع لأسباب عدة منها عدم الانفتاح على الآخر وتقبله دون سبب مقنع. وبهذا نكون تلقائيا قد أسمينا أنفسنا بأعداء ما نجهل. وفي نفس الوقت أثمن وأشجع بعض الأعمال الواعية بالمشهد الثقافي العالمي العام لشعراء فضلوا الاشتغال في الظلام بعيدا عن الدوائر الضوئية المزدحمة بكل من هب ودب والمحتكرة للتبجح والنوم فيها على أمل الحلم بالثقافة لا العمل على توسعتها بالجيد الجميل الجاد. وأستشهد بشعراء لمسوا بأعمالهم أطراف العالمية في نظري كمحاولة للغوص فيها سعيا لاقتناص اللب منهم أذكر محمد قسط وعمر زيغر وعبد الرزاق بوكبة وهني عبد القادر ورشيد ولد المومن وقاسم شيخاوي وعبد الحفيظ عبد الغفار ومي غول والعاقل بن عامر وشوشة جلول وأسماء أخرى ترقى للتطلعات والغاية المرجوة. فشتان بين من يكتب ليسمعك ويراك كإنسان وبين من يكتب ليروه ويسمعوه ويصفقوا له كفنان. ونصيحتي كشاعر يضع نفسه في آخر خانة إبداعية لكل شاعر جزائري “يا ابن بلدي توقف عن وأعد النظر في ما كتبت وتكتب وانطلق من جديد لعلك تصبح ابن العالم”، وهنا لا أستثني الهيئة الوصية وأقصد وزارة الثقافة كشريك أساسي في الإشكالية وسأكون واضحا وصريحا في هذه النقطة بالذات بتساؤلات سائدة في الوسط الثقافي الجزائري نتصارح لنتسامح لنكون في الصورة. يوجد سياسة في الجزائر موازاة لها نجد عدة قنوات تلفزيونية إخبارية يصول ويجول فيها كل من له علاقة بأروقة ودروب السياسة من محللين ونشطاء وخبراء وديبلوماسيين وسفراء… إلخ، وقناة رياضية اجتمع فيها كل من له علاقة بالرياضة والملاعب وقناة طبخ تهتم بكل ما له علاقة بالطبخ والمأكولات المحلية والعالمية. أنا لست ضد هذا التفتح وظهور قنوات تلفزيونية ذات توجهات مختلفة، بل أنا مع التعدد والكثرة والوفرة والاختلاف، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا توجد قناة ثقافية واحدة في دولة بحجم الجزائر التي تملك هوية ثقافية ضاربة في جذورها في عمق التاريخ. لا أنكر أننا بحاجة ماسة إلى قناة تلفزيونية ثقافية تكون بمثابة معصرة للمثقف الجزائري وإلا ما الفائدة من حقول الشعر والمسرح والسينما والرواية والرسم والنحت ومختلف الفنون الأخرى، حيث يوجد 48 مديرية ثقافة إضافة إلى 48 دار ثقافة وكذا المراكز الثقافية. كل هذا الكم يعتبر لا شيء عند الوقوف على الحقيقة المرة. عدد بلا عدة. لنأخذ على سبيل المثال مديرية ودار الثقافة في ولاية تيارت كعينة ومثال على مديريات ودور الثقافة في الجزائر من البرنامج المسطر من طرفهما عن اليوم العالمي للشعر. ماذا فعلت السنة الماضية وما قبلها عن شهر التراث. وهنا لا أنكر التظاهرات الموسمية في مختلف ولايات الوطن. وفي هذا الشأن أضيف أن الثقافة الجزائرية ليست طقوسا ظرفية تمارس في المواسم والأعياد.
سمية معاشي: “واقع مغشوش”

“واقع الشعر في الجزائر مغشوش، حيث هناك العديد من الشعراء في الجزائر لا يتم دعوتهم إلى مختلف المهرجانات التي تقام في هذا المجال (الشعر) لأن الجهة المنظمة لهذه المواعيد والتظاهرات الشعرية توجه الدعوة عن طريق المحاباة، كما توجد الكثير من الأقلام التي تكتب الشعر مميزة ومتألقة برزت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما الفايسبوك ولا نجد لها أثرا في الأمسيات الشعرية”.
وتابعت:”أما عن شعراء الفصيح والملحون فأقول إن هناك نوعين مختلفين كل واحد منهما له طابع خاص به. وأشير أيضا إلى أن هناك بعض الشعراء يحضرون المنتديات ويشاركون بقوة في الأمسيات الشعرية ويجرون مقابلات وحوارات تلفزيونية مع مختلف وسائل الاعلام، لكن حساباتهم على الفايسبوك لا شعبية لها بحكم أن ما يقولونه لا يرضي المتلقي ويفرضون وجودهم بحكم أن لهم معارف. وعن مستوى الأعمال الشعرية التي تنجز من طرف المنتمين لهذا المجال، فلا يمكنني الحكم عليها والقارئ أولى بهذا الحكم مني”.
ساعد بوجمعة يودة: الملتقيات الشعرية معظمها تكرس الرداءة

“أولا أشكر جريدة الموعد اليومي على هذه الالتفاتة الطيبة ليس لي بل للشعر الذي ننتسب إليه تسمية فقط، ليس من باب التطرف وإنما من باب التطرق للموضوع لأن الشعر يعد من بين المجالات الأدبية والثقافية المهمشة بالرغم من زخم التكتلات من جمعيات ثقافية ومهرجانات والتي ساد معظمها التطرف والجهوية والمحسوبية هذه الصفات التي كانت لصيقة بالسياسة، ها هي اليوم تحسب على الشعر، حيث صارت الملتقيات الأدبية للشعر بشقيه الفصيح والشعبي معظمها يكرس بل ويتفنن في الرداءة وذلك كون القائمين عليها يهتمون بالكم لا بالكيف. ومن خلال مشاركاتي في ربوع هذا الوطن الحبيب في عدة تظاهرات اصطدمت بتهميش عدد كبير من كبار الشعراء وتكريم من لا علاقة لهم بالشعر، وباسم الشعر. نعم إنه زمن التفنن في الرداءة من أجل القول إن الولاية الفلانية أو الجمعية الفلانية تمكنت من استقطاب كل ولايات الوطن أو كذا مشاركين بغض النظر عما يقدم خلال اللقاء. فلقد كان أجدر بهم أن تكون لجنة رقابة للقصائد المشاركة أو حتى الشعراء المشاركين، والأدهى والأمر أن تجد سرقات أدبية يشارك بها بأسماء غير أسماء أصحابها. وإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن الغرور وحب الذات يسود هذا المجال، إذ نرى ذلك أحيانا بطريقة مباشرة من خلال التناحرات والمشادات الكلامية وأحيانا بطرق غير مباشرة كتشجيع الرداءة من أجل الظهور في المقدمة. كما نرى أن معظم من يشرفون على المكاتب الولائية لهذا الزخم الثقافي شتان بينهم وبين الشعر. وما يزيد الطين بلة هو طباعة دواوين لا ترقى حتى لتكون كلمات، وهذا يعتبر تكريسا حقيقيا للرداءة. وكل ذلك من أجل أن يقال شاركت في هذا المهرجان وتحصلت على هذه الشهادات”.
واستطرد قائلا: “ومن جهة أخرى هناك شعراء يطمحون للوصول إلى العالمية من خلال محاولة إيصال المغزى والهدف المنشود من الشعر. وهناك من درست ونوقشت قصائدهم في الجامعات كمذكرات تخرج للطلبة. وهناك آخرون يسهرون على ضبط بحور الشعر الشعبي. وهنا يحصل الشرف للشاعر. وبالرغم من كل هذا أشاطر الشاعر عبد القادر عبيد في قوله: “دار الشعر اليوم ربي يسترها عشرة آلاف يريّبو وواحد يبني”.
وختم: “من جهة أخرى إن الوزارة الوصية تهمش الشعر ككل وتمجد الغناء والطرب بالرغم من أن الشعر أصل الغناء. وأشير أيضا إلى أن الشاعر هو الأساس في رقي وانحطاط الشعر، لكن إذا كان رب البيت للطبل ضاربا فلا تلم الأبناء في حالة الرقص”. وفي الختام أقول إن هناك من يعيش للشعر وآخر يعيش بالشعر وشتان بينهما.
دحمان بن سالم: الشعر في الجزائر في نهضة وتطور

“أولا لابد أن نعرف ماذا يقدم الشعر للمتلقي وكيف يعامل الشاعر في الجزائر. أقول إن الشاعر مثل الشجرة إذا أنت اعتنيت بها فأكيد أنك ستجني ثمارها. ولكن الشاعر في الجزائر لا يتلقى العناية الكافية رغم أنه هو الأساس. فلولا الشاعر لما كان هناك موروث ولا ملحن ولا مطرب. فالأساس هو القصيدة، وهذه الأخيرة هي دم الشاعر وإحساسه وروحه التي ينفثها على الورق.
أما بخصوص واقع الشعر في الجزائر وخاصة في الآونة الأخير، فهو يشهد نهضة وتطورا خصوصا مع اتساع المجال الإعلامي ومواكبة الحداثة الإعلامية وكثرة الفضاءات التكنولوجية من فايسبوك ويوتيوب والقنوات الإلكترونية وانفتاح هذه الفضاءات على هذا الموروث، حيث ساهمت هذه المحطات بشكل كبير في إيصال صوت الشاعر
وتقريبه من محبيه وتكوين جمهور ذواق. أما عن المهرجانات والملتقيات فهي ذر للرماد في العيون. وبكل مصداقية وشفافية أنا شاركت في أكثر من 30 ملتقى وطنيا ودوليا كان الكل مستفيدا منها إلا الشعر والشاعر مع أنه بدونهما لا يقام أي نشاط، وهذا راجع إلى أن تكاليف ملتقى وطني تتعدى مبلغ 500 مليون وهذا أقل تقدير من عدد الشعراء والأكاديميين وسيكون تقدير 50 مدعوا بمبلغ تعويض قدره 5000 دج زائد شهادة مشاركة بـ 200 دج والباقي سيذهب للفندق والإطعام.
وعن الشعر الفصيح والملحون أقول إن الذي يقدمه الشعراء في المجالين خاصة من طرف الجيل الجديد لا أرى اختلافا بينهما والاختلاف الموجود في المبنى لكن الأصل واحد وهو اللغة. والشعر الملحون هو الكلام المتداول، فالمعاملات اليومية تعني كلمات فصيحة مدرجة. وفي هذا الشأن أعطي المثال التالي: عمر بن شداد يقول “هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي” وأنا أقول “سقسيتيش الخيل عني يا عبلة واذا كنت جاهلة ضرك نوريك”. وعن الجيل الجديد من الشعراء في الصنفين فهو يبدع ويمتع في الصور وفي تطوير وتبسيط المعنى، يعني أن الشعر في تطور ورقي دون المساس بالأسس والقواعد. ومن بين المبدعين في الملحون مبروك زواوي ومحمد شماريح وفاروق كويزي.
الشاعرة لبنى شلوف: المهرجانات والملتقيات الشعرية مهمة للشاعر
“إن الجزائر تملك قائمة من الأدباء المميزين داخل وخارج الوطن، ونجد صدى كبيرا للشعر من حيث النشر والطباعة وحتى القراء وعشاق الأدب. أما فيما يخص الشعر الملحون فهو يخضع لأوزان شعرية، فشعراء الملحون يتميزون بميزة الصدق وحب الوطن والعديد منهم يتغنون بالجزائر وبثورتنا التحريرية وأمجادها وطغت على أشعارهم مسحة الفروسية، أما الشعر الفصيح فهناك إطلالة واسعة من حيث الشعراء وميولات القارىء، والجزائر غنية وثرية بالأدب والشعراء الموهوبين، ويبقى العبء الأكبر يحمله الأديب من تهميش وعدم التشجيع، حيث يضطر إلى اعتزال الموهبة ونفور مطلق.
أما عن المهرجانات المقامة، فأستطيع القول إنها مبادرة جد مهمة للاحتكاك الأدبي والتمازج الثقافي، فالشاعر يزيد ثراء من خلال الإرشادات والنقد الذي يأخذه الأديب بوجهة نظر تعود عليه بالإيجاب، ولهذا فالمهرجانات والملتقيات تزيد الأديب طاقة وخبرة أكثر لرقي أفضل”.
كلمتهم: حورية. ق