شعبان.. والتهيؤ للعبادة

شعبان.. والتهيؤ للعبادة

قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ “قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” رواه أحمد، فعلى ربّات الأسر والبيوت وأربابها أن يجعلوا الاستعداد للأعياد والمواسم وما يلحق بها قبل المواسم الفاضلة. حتى لا تضيع عليهم الأوقات الفاضلة. فمن التهيؤ للعبادة: دعاءُ الله تعالى: ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ”، فتفكر في كلمة: والعزيمة على الرشد.. أسألك العزيمة على الرشد، حتى أكون صادقًا مخلصاً عندما يأتي وقت العمل ويحين موسم البذل والطاعة، وحتى لا أكونُ مثل المنافقين، الذين قال الله عنهم: ” ‌وَلَوْ ‌أَرَادُوا ‌الْخُرُوجَ ‌لَأَعَدُّوا ‌لَهُ ‌عُدَّةً “.

ومن التهيئة الذهنية الانْكبابُ قُبيل دخول الشهر على قراءة فضائل رمضان وصيامه وقيامه، وفضائل قراءة القرآن، وفضائل الليالي العشر الأخيرة، وفضائل ليلة القدر، وتدبُّرُ ما ورد في ذلك كلِّه من الآيات والأحاديث، ومعرفة ما فيها من الفقه والعلم؛ فإنَّ معرفة فضْل ذلك تحفِّز النفْس على تحصيله، وعدم إضاعة شيء منه. ومن التهيئة الجسَدية لاسْتثمار رمضان ترويضُ النَّفْس قبل دخول رمضان على التَّبْكير إلى المسجد، والمُكْث فيه طويلاً قبل الصلاة وبعدها، والمحافظة على نوافل العبادات، والإكثار من الذِّكر وقراءة القرآن، وكثرة الصوم في شعبان؛ حتَّى لا يدخل رمضان إلاَّ وقد روَّض نفْسه على الجِدِّ في الطاعات، والمنافسة في اكتساب الحسنات.

تأمَّل حكمةَ الشارع الحكيم حين شرع الصيام في شعبان، حتَّى كان أكثرُ صيام النبيِّ صلى الله عليه وسلم في شعبان، وفي بعض الروايات أنه كان يصوم شعبان كلَّه إلا قليلاً منه، وفي روايات أخرى أنَّه صام شعبان كلَّه. فكان الصيام في شعبان مقدِّمةً تهيِّئ المكلَّف لصيام رمضان، ومعلوم أنَّ مَن أكثر الصيام في شعبان كفَّ عن كثير من فضول الكلام والنظر وغيرها، وأكثَر من قراءة القرآن، وبكَّر للمساجد؛ لأنَّ صيامه يَمنعه ممَّا كان يفعل وهو غير صائم، فلا يدخل عليه رمضان إلاَّ وقد روَّض نفْسه على الكفِّ عن الحرام والفضول، وأَلِف الصيام والقرآن وكثرة الذِّكر والصلاة.