وصف النبي صلى الله عليه وسلم البطن بأنها “وعاء”، إلا أنها ليست شرَّ وعاء إلا إذا ملأها صاحبها، وتحامل عليها بالإكثار من الطعام؛ فقال عليه الصلاة والسلام: “ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيمات يُقِمْنَ صُلْبه” رواه الترمذي وصححه، فالمشكلة هنا ليست في الوعاء ذاته، ولكن في التعامل الجائر معه، وتحميله من الطعام ما يطغى على مهمات أخرى، يتناغم فيها هذا الوعاء مع أجزاء الجسم الأخرى، كما يقوم بمهمة أخرى كذلك غير استقبال الطعام. أما المهمة الأخرى للبطن، فهي أنها وعاء للماء – أو الشراب عمومًا – مما تزيد ضروريته للأحياء على ضرورية الطعام، كما أن حركة التنفس لا تتم بيُسْرٍ ما دامت المعدة ممتلئة؛ أي: إن التناغم بين أعضاء الجسم في أداء وظائفها يختل، وتضيق مجاري الأنفاس بسبب التخمة من الطعام؛ ولهذا جاء في بقية هذا الحديث الشريف ما يفيد تقسيم البطن ثلاثة أثلاث بين الطعام والشراب والنَّفَس؛ فقال عليه الصلاة والسلام: “فإن كان لا بد فاعلًا، فثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه”. وتلك حكمة أخرى لازمة لضبط تعاملنا مع الغذاء؛ بحيث يحقق الفائدة التي خلقه الله لأجلها، ولا يتحول إلى خطر داهم يهدد صحتنا وحياتنا كلها، وأصل المسألة هي أننا نمكث سنوات محددة في هذه الحياة؛ طالت أو قصرت، وليس الأهم هو عدد هذه السنوات؛ لأن تحديدها بيد الله تعالى وحده، والمهم هو ألَّا تكون هذه السنوات المحدودة سنوات معاناة وأمراض وأسقام، وجزء كبير من هذا الأمر جعله الله تعالى في يد الإنسان، ويتلخص سِرُّه في أمرين: الأول: الاعتدال في الطعام والشراب. الثاني: عدم الاستسلام للخوف من فقد موجود، ولا للقلق في تحصيل مفقود، والإيمان بأن الأمور لها أسباب، وأنها تجري بمقادير الله سبحانه. ويُعين على فهم هذا كله أن ندرك وظائف الأشياء، ومنها وظيفة الغذاء التي تتلخص في حفظ الحياة، وخدمة قضية بقاء الإنسان في هذه الحياة.
من موقع رابطة العالم الإسلامي