احتفلت النجمة شريهان بعيد ميلادها الـ 56، وهي لا تطفىء الشموع أبدا بل تضيف مع كل عام شمعة جديدة تؤكد أنها “فنانة تعرف الطريق إلى الخلود”.
فرغم ابتعادها عن الأضواء لأكثر من 17 عاما لا زالت حاضرة في وجدان محبيها بكلماتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقفها النبيلة وآخرها التبرع بواحد من أهم مقتنياتها لصالح ضحايا انفجار بيروت.
شريهان أحمد عبد الفتاح الشلقاني اسم بقدر ما يدعو للفخر، بقدر ما صنع أول مأساة بحياتها، فقد تزوجت والدتها السيدة عواطف للمرة الثانية من المحامي الشهير أحمد عبد الفتاح الشلقاني، وأنجبت منه طفلتها شريهان في السادس من ديسمبر عام 1964، ولكن الزواج كان عرفيا لسبب أغرب من الخيال، وهو خوف السيدة عواطف على ابنها الموسيقار عمر خورشيد من خوض التجنيد الإجباري، حيث حصل على الاعفاء المؤقت بصفته العائل الوحيد لوالدته، وزواجها الرسمي يعني دخوله الخدمة العسكرية فورا، ولكن شريهان التي دفعت الثمن بعد وفاة والدها عندما رفضت أسرته الاعتراف بها ومنحها نصيبها من تركته، وتم تداول قضايا إثبات النسب طويلا داخل أروقة المحاكم، حتى حكمت المحكمة نهائيا ببنوتها للمحامي الشهير، في العشرين من جوان 1980، أي عندما كان عمر شريهان 16 سنة.
شبح عمر خورشيد لا زال حاضرا في ملحمة العشق والدم للفنانة شريهان، فقد كان أول مكتشف لموهبتها، وساهم بتدريبها موسيقيا، كما أرسلها لباريس وهي طفلة صغيرة لتتعلم فنون الرقص التعبيري، وباتت ظله في كل الحفلات والسهرات والبرامج الفنية، وتعرفت بصحبته على كوكب الشرق أم كلثوم، والعندليب عبد الحليم حافظ والموسيقار فريد الأطرش، وهو ما أهلها لخوض تجربة الفن مبكرا، حيث بدأت في برنامج أطفال اسمه “دو ري مي”، وفي السينما كان ظهورها الأول من خلال فيلم “قطة على نار” مع النجوم فريد شوقي، نور الشريف وبوسي، ثم فيلم “الخبز المر” الذي أنتجته لها والدتها، التي ساهمت أيضا بإنتاج مسلسل لها باسم “المعجزة”.
عازف الجيتار الشهير عمر الذي احتل مكانة الأخ والأب والصديق، غادر الحياة سريعا إثر حادث سيارة أليم، لا زالت ظروفه غامضة، وكانت تردد دائما “الحياة بدون عمر ليس لها طعم، فقد كان أخي وأبي وصديقي”. وقبل أن تفيق شريهان من هذه الأزمة فوجئت بوفاة والدتها، لتفقد سندها الأول في الحياة.
والمأساة نفسها تكررت كثيرا مع النجمة الأسطورة، فمثل شقيقها الأكبر تعرضت في الرابع والعشرين من ماي 1989، لحادث سيارة كاد أن يودي بحياتها وسط ملابسات لا زالت غامضة جدا، ونجت منه بأعجوبة، وقيل وقتها أنها لن تعود للعمل الاستعراضي أبدا بعد كسر فقرات الظهر، ولكن كما تعلمت الفن في عاصمة النور باريس، استعادت الأمل في الحياة من نفس المدينة بعدما خضعت لجراحات متكررة على يد واحد من أفضل أطباء العظام بالعالم، البروفيسور روا كامي بالتعاون مع طبيب المخ والأعصاب المصري الشهير سمير الملا وطاقم طبي تكون من 14 فردا، وعادت لتتحدى الجميع بتقديم الفوازير الاستعراضية مرة أخرى.
بعد فقد الأب ومأساة إثبات بنوتها له، وضياع الشقيق والراعي الرسمي لموهبتها، وكسر الظهر ومن قبله “تحطم القلب”، لم يبق للفنانة شريهان إلا البحث عن المجد الفني، وإثبات قدراتها الفريدة كممثلة وراقصة تعبيرية ومؤدية تتمتع بخفة الظل والأنوثة الطاغية، وكان الطريق ممهدا أمامها على يد الأستاذ فؤاد المهندس الذي علمها فنون وآداب المسرح، بينما كانت المهمة في مجال السينما بيد الفنان الكبير فريد شوقي، ومن بعدهما أسطورة المسرح محمد صبحي، لتنطلق شريهان وتقدم المسرحية الشهيرة “سك على بناتك” مع المهندس و”المهزوز” و”أنت حر” مع صبحي، و “شارع محمد علي” مع فريد شوقي، وبالسينما أبدعت في “العذراء والشعر الأبيض” مع نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز، و”عرق البلح” مع المبدع المخرج رضوان الكاشف والراحل عبد الله محمود، و”خلي بالك من عقلك” مع عادل أمام.
كل إبداعات شريهان بكفة .. وتفردها بسحر الفوازير الرمضانية بعد الساحرة الأولى نيللي بكفة أخرى، فعبر 10 سنوات كاملة بدأت من العام 1985 بفوازير ألف ليلة وليلة “عروسة البحور”، وحتى العام 1995 بفوازير حاجات ومحتاجات، سطرت شريهان فصلا جديدا من فصول الاستعراض الدرامي، وقدمت مع المخرج فهمي عبد الحميد مزجا ما بين أسطورة ألف ليلة وليلة والشكل الاستعراضي الكوميدي للفوازير.
ظهر شريهان وجد طبيبا يجبره، ولكن قلبها انتظر طويلا ليجد من يحنو عليه، فمرارات الموت دفعتها للبحث عن “رجل حياتها” الذي يرث ظل والدها الراحل أو شقيقها المغدور، ولكنها بتجربة الحب الأولى كادت أن تدفع حياتها بحادث سيارة.
عادت شريهان مجبورة الظهر بعد رحلة علاج فتزوجت الشيخ علال الفاسي، ولكن الزواج السريع انتهى بأسرع مما تتصور ثم خاضت تجربة الزواج سرا من رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة، لتشتعل معركة كبرى بينها وبين ضرتها الفنانة الكبيرة إسعاد يونس، لم تنطفئ نارها الا بجحيم أشد، وهو سقوط شريهان صريعة مرض نادر وهو سرطان الغدد اللعابية، أحد أندر أنواع المرض اللعين في العالم، لتعود لباريس مجددا بحثا عن طوق نجاة .. ونصف وجه.
منذ العام 2002 انقطعت علاقة الفنانة شريهان بالعمل الفني، لدرجة أنها لم تقدر على التواجد أثناء حفل تسليمها جائزة مهرجان الاسكندرية كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم “العشق والدم”. والمؤكد أن السماء كانت مفتوحة على مصراعيها فكتب لها الشفاء بعد رحلة علاج مريرة بالكيماوي والاشعاع، والعشرات من عمليات التجميل المتلاحقة لبناء نصف وجهها الأيسر من جديد، واستعادة جانب كبير من سر جمالها “شعرها”. وفي هذه الرحلة رزقت بابنتها الأولى لولوة والثانية تالية القرآن، وتولت رعايتهما الضرة “إسعاد يونس” التي حولتها الأزمة لشقيقة حقيقية.