شبابنا يد القوة

شبابنا يد القوة

 

إن بناء الدول وإقامة صُروح العِرفان وتشييد الحضارات في كل الأمم لا بد أن يقوم على مرتكزات أساسية لا مَناص منها، وإن من هذه المرتكزات اليد التي تبني وتؤسِّس وتُبدِع وتُفكِّر؛ إنها يد القوة لا يد الضعف واليد العالية لا الخاوية؛ “اليد العليا خير من اليد السفلى”؛ حديث شريف، وأعني في هذا المقام الشباب، فما من أُمَّة قامت واستوت على حال يَعجِب البشرية إلا وتقع على عواتق الشباب جُلُّ المهام والأعمال، والتاريخ خير شاهد، فما بُنيت اليابان ولا الصين ولا كل الدول المتقدِّمة إلا كان هناك حركة علميَّة ناهضة، روَّادها شباب هذه الأمم، ولعلَّ الجيل الأول علَّم الناسَ كيف يَبنون ويؤسِّسون؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتوي الشبابَ ويجمعهم حوله، وأصبحوا من الذين قامت بهم تلك الرسالة المباركة، فكان منهم: الخليفة العادل؛ كعمر، والمُنفِق الكريم؛ كعثمان، والقائد المِغوار؛ كعلي، والمفسِّر الكبير كعبد الله بن عباس، والزاهد العابد؛ كأبي ذر، والقارئ المُجيد؛ كأبُيِّ بن كعب رضي الله عنهم أجمعين، وهم مَن أسَّس حضارة بلغت السِّند والهند حتى وصلت إلى أوربا، والأندلس خير شاهد.

ولكن الناظر اليوم إلى شباب المسلمين يتراءى أمام عينيه حالُ المسلمون الأوائل وهِمَمم العالية فيتسلل إلى نفسه الإحباط واليأس؛ لما يراه من سطحيَّة في التفكير والاهتمامات، فغاية ما يُفكِّر فيه اليوم كثيرٌ من الشباب هو ماذا يَلبَس، وماذا يركب، ويُقلِّد مَن، ويتشبَّه بمن؟ ففي كل يوم موضة، وفي كل يوم منتج جديد، وأصبحنا نَستهلِك ولا نُنتِج، ونُقلِّد ولا يُقلِّدنا أحد، وأصبحنا نتَّبع الناس ولا يتَّبِعنا أحد، وهذه الحالة النفسية وصفها ابن خلدون في مقدمته عندما قال “إن الضعيف مُولَع بتقليد القوي، والمغلوب مولع بتقليد الغالب”، فمَن يُقلِّد أحدًا لا بد أنه يَشعُر بالضعف تُجاهه؛ لأنه يُحاكيه في نَمَط حياته ومعيشته ومشيته، ويَحسَبون أنهم نماذج تَقدُّم ورقي وهم أبعد عن ذلك؛ لأن الرُّقي رقي العقل والإنتاج لا الاستهلاك، ورُقي الاعتزاز، لا الشعور بالضعف والخَوَر، ولكن يبقى الأمل في هذه الأمة، ففيها خير كثير، فهي قد تَمرَض لكن لا تموت، وقد تغفو لكنها لا تنام، قد تخبو شُعلتُها، لكنها لا تنطفئ؛ لأنها ” خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” آل عمران: 110، فليكن لنا ولشبابنا بصمة في هذه الخيرية؛ حتى يقول مَن بعدنا: رجال أمتنا مرُّوا من هنا، وهذا الأثر.