عن أبي هريرة رضي الله عنه ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعةٌ يظلُّهم الله – تعالى – في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عَدْلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عبادة الله، ورجلٌ معلَّقٌ قلبُه في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِماله ما تُنفِقَ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عيناه” رواه البخاري. ولا يتَّسع الوقت للحديث عن السَّبعة، ولكن نقف وقفاتٍ يسيرة مع قوله صلى الله عليه وسلم: “شابٌّ نشأ في عِبَادة اللهِ”. فهذا الشاب وفَّقَهُ الله منذ نَشأ للأعمال الصالحة، وحبَّبها إليه، وكَرَّه إليه الأعمال السيئة، وأعانه على تركها: إما بسبب تربية صالحة، أو رِفْقة طيبة، أو غير ذلك؛ وقد حفظه الله ممَّا نشأ عليه كثيرٌ من الشباب من اللهو واللَّعب، وإضاعة الصلوات، والانهماك في الشهوات والملذَّات، وقد أثنى الله على هذا النشء المبارك بقوله ” إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ” الكهف: 13.
ولما كان الشباب داعيًا قويًّا للشهوات، كان من أعجب الأمور الشاب الذي يُلزِم نفسَه بالطاعة والاجتهاد فيها، واستحقَّ بذلك أن يكون من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قَدَما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمسٍ: عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما عَلِم” رواه الترمذي. والشباب هم عماد الأمَّة، وهم جيل المستقبل؛ منهم يتكوَّن بناءُ الأمة، ومنهم ينشأ العلماء والمصلحون والمجاهدون وغيرهم من أبناء المجتمع، الذين إذا صلحوا انتفعت بهم مجتمعاتهم في الدنيا والآخِرة.
ومن الأمثلة على الشباب الملتزِم بطاعة ربه شبابُ الصحابة؛ أمثال: أسامة بن زيد، الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لقيادة جيش المسلمين المتَّجِه إلى الشام، وعمره لم يتجاوز السابعة عشر، وفي القوم كِبَارُ الصحابة، حتى إن أبا بكر كان يستأذن أسامة بن زيد أن يُبقيَ عمر عنده في المدينة، فيأذن أسامة في ذلك، وعلي بن أبي طالب الذي بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة، وعَرَّضَ نفسه للقتل فداءً للنبي صلى الله عليه وسلم وجعفر بن أبي طالب الذي كان قائدًا لجيش المسلمين في معركة مُؤْتَة الشهيرة خَلَفًا للقائد زيد بن حارثة رضي الله عنه الذي قُتِل في تلك المعركة، فحَمَل راية المسلمين وأخذ سيفه، ومن الأمثلة المعاصرة: الشباب الذين يملأون المساجد والمدارس والجامعات، يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم. وهذا شيء يُثلِج الصدر، وأمَّتنا لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة.