تسعى الجزائر “الجديدة” لاستدراك ما فات في سبيل رفاهية الشعب وتيسير حياته اليومية، من خلال بعث نشاطات كانت إلى وقت قريب محل إهمال ونسيان، ضمن خطة شاملة تستهدف إنعاش الاقتصاد القومي الذي يقوم أساسا في الوقت الحالي على ريع مبيعات النفط والغاز.
ويتفق السينمائي والمخرج الجزائري يزيد أعراب مع الرئيس تبون حول الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه قطاع السينما في تنويع الاقتصاد الجزائري وتقليص نسبة البطالة، فيقول إنه بوسع الإنتاج السينمائي في الجزائر خلق مليون فرصة عمل أو أكثر، بل ويذهب إلى أكثر من ذلك عندما يؤكد أنه واثق من أن إيرادات السينما الجزائرية ستتجاوز مبيعات شركة المحروقات _سوناطراك_ من النفط والغاز والتي تصل إلى نحو 98 في المئة من إجمالي صادرات البلد.
بيد أن أعراب، خريج مدرسة كيبك (كندا) للسينما وصاحب العديد من الأفلام، يربط هذه الطفرة بالعديد من العوامل التي يراها موضوعية منها تحرير السينما من القيود السياسية، ووقف الإعانات التي تقدمها الحكومة لبعض المخرجين في سبيل إنتاج موجّه، وتجهيز استوديوهات تليق بإنتاج السينما، وحل مشكلة التوزيع والدفع باتجاه التأسيس لما يسميه “السينما الجديدة”.
ويرى المنتج والمخرج السينمائي لطفي بوشوشي، الذي حصد عدة جوائز في مهرجان “وهران للفيلم العربي”، أن الجزائر تفتقد للإنتاج السينمائي، وحجته في ذلك غياب الأفلام وقاعات العرض والدعم الذي يجب أن يستفيد منه هذا القطاع.
ويقول بوشوشي “لسنا منتجين لسينما، هناك أقوال وخطابات فضفاضة، لكن في الواقع لا نعمل أي شيء لتغيير هذا الوضع. ربما رئيس الجمهورية له النية الحسنة في تحسين الوضع لكن المشكلة تكمن في المحيط”.
لكن مخطط عمل الحكومة يتحدث عن مشروع طموح يتطلع إلى الأفضل، حيث يؤكد على أن “الحكومة تسعى إلى ترقية إنتاج سينمائي وطني حقيقي من خلال تفضيل الاستثمار في التكوين في مختلف المهن السينمائية في مرحلة أولى، مع الاستعانة بالخبرات والكفاءات الدولية من أجل وضع التكنولوجيات المتطورة في متناول المهنيين في مجال السينما”.
ويشدد المخرج أعراب على ضرورة توفر الإرادة السياسية للنهوض بالسينما الجزائرية وخلق سوق خاص بها، مشيرا إلى أن الدولة في وقت ما كانت لديها سينما موجهة؛ في إشارة إلى السينما الثورية أو التاريخية التي تروي بطولات شهداء حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
ويقول السيناريست التلفزيوني رضا عينين إن الجزائر تملك كل الإمكانيات لتصبح قطبا سينمائيا عالميا وليس عربيا وإفريقيا فقط، مبرزا أن بلده بإمكانياتها الطبيعية وآثارها يمكن أن تكون في مقدمة الدول المنتجة للسينما.
لكنه نوّه بأن ما يحول بينها وبين ذلك الهدف هو افتقادها لإرادة سياسية تجسد الأقوال على أرض الواقع، منبها في نفس الوقت إلى ضرورة التفريق بين الخطاب السياسي والإرادة السياسية التي لا أثر لها في الميدان.
حديث المخرج يزيد أعراب عن سينما جزائرية جديدة يتصوره السيناريست رضا عينين في بعث أعمال فنية ليست بالضرورة مرتبطة بحرب التحرير الجزائرية، بل منفتحة على جوانب مهمة في حياة المجتمع كموجة العنف التي شهدتها البلد في تسعينات القرن الماضي، والمواضيع الاجتماعية الأخرى التي لها علاقة بالحياة اليومية للمواطن.
ويؤكد عينين على توفر العشرات من السيناريوهات التي يليق أن تصبح أعمالا فنية ناجحة جدا شريطة تمكينها من الوسائل التي تضمن لها القبول والوصول إلى نيل إعجاب المشاهدين.
ويكشف عن حقيقة مرة تتمثل في قناعة تولدت لدى الكثيرين تتمثل في أن كل من يريد كسب قوته من السينما، عليه أن يركز جهوده على الأعمال الثورية، داعيا إلى تغيير هذا الوضع الذي يكبح الإبداع ولا يشجع على إطلاق المبادرات الجديدة.
وتعتقد الممثلة لينا مشطر، خريجة مسرح مدينة القليعة غربي العاصمة الجزائرية، أن بلدها تفتقد لسينما حقيقية بسبب عوامل عدة حصرتها في غياب شبه تام لمدارس السينما، وعدم وجود الكوادر التي تصقل المواهب الصاعدة، وغياب الدعم المادي الكافي، والفكر الأحادي الذي عطل التجديد.
وترى مشطر أن السياسة الثقافية في بلدها لا تراعي مواهب الأجيال الجديدة التي تتحكم في التكنولوجيات الحديثة بشكل رائع، مشيرة إلى أولئك الممثلين الشباب الذين يحتاجون فقط إلى تثمين قدراتهم والاستثمار في مواهبهم.
ونوهت بأن السينما هي المرآة العاكسة للمجتمع، موضحة أنه لا يجب التحجج بالعادات والتقاليد لعدم إطلاق أعمال أخرى تتناول جوانب مهمة في حياة الناس كالدراما والكوميديا، وهو الطرح الذي يوافقها فيه المخرج أعراب. كما استغربت في نفس الوقت من اقتصار العمل الفني في الجزائر على شهر رمضان فقط.
وأردفت “الأعمال الفنية في الجزائر تشبه حلويات ومكسرات شهر رمضان، صحيح لكل بلد خصوصياته وتقاليده. فتوجد أنواع مختلفة في السينما، هناك السينما المصرية والسينما الإيرانية، فلم لا يكون لدينا شيء اسمه السينما الجزائرية”.
ويؤكد باقي بوخالفة، كاريكاتيري ومصمم أفلام كوميكس، أن السينما في الجزائر متخلفة ولا تواكب نظيرتها العربية ولا الغربية بسبب عدم وجود إستراتيجية واضحة وفعالة من قبل مؤسسات الدولة.
وانتقد بوخالفة بدوره التركيز على الأفلام التاريخية والثورية، التي وإن أنجزت يصاحبها الكثير من اللغط بسبب مضامينها، في حين أن بعض الأعمال الضخمة _مهمة_ تواجه صعوبات كبيرة لا تستفيد من هذا الدعم الذي أصبحت مراجعته ضرورة ملحة بعدما أثر بشكل سلبي على الإنتاج السينمائي شأنه شأن غياب دور السينما وقاعات العرض.
ويتأسف بوخالفة لغياب الإنتاج السينمائي لدى التلفزيونات الخاصة التي تفضل برامج أجنبية بعضها مقرصن وذو جودة متواضعة، وهو الأمر الذي برأيه لا يشجع أصحاب المال على الاستثمار فيه.
ب/ص