قصبة الجزائر أهم معلم تاريخي بالعاصمة الجزائر ومن بين الأكثر أهمية في الجزائر، مصنفة كتراث عالمي إنساني من طرف اليونسكو. توالت المخططات والمشاريع لإنقاذ هذا المعلم التاريخي من الاندثار ولا تزال، آخرها تخصيص مجلس وزراء لإعادة إطلاق مشاريع الترميم، لكن رغم ذلك تتآكل أبنيتها يوما بعد يوم.
بعيدا عن الاهتمام الرسمي هناك من أبناء المدينة من يعملون ويجتهدون للحفاظ عليها وترميم ما يمكن ترميمه، ومن بينهم المهندسة المعمارية الشابة سيلين جاووت التي تحمل مشروعا وأملا من شأنهما أن يساهما في المحافظة على قصبة الجزائر وإعادة إحيائها بترميمها أو هكذا تطمح.
استقطبت قطع من الطوب صممتها المهندسة سلين جاووت البالغة من العمر 22 سنة التي نالت مؤخرا شهادتها في الهندسة المعمارية من جامعة الجزائر، اهتماما واسعا خاصة لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وسر الاهتمام يعود أصلا إلى الفكرة التي ابتدعتها وتحاول إنجازها على أرض الواقع.
تحكي سلين جاووت لـ_القدس العربي_ عن مشروعها وعن طموحاتها في المساهمة في جهود إعادة إحياء مدينة القصبة، عبر مشروعها الذي كانت دوافعه الرئيسة _اهتمامها الشخصي بالقصبة_ التي تعد حسبها _القلب النابض للعاصمة.. وانعكاسا لكل الجزائريين_. وتقول إن الحالة التي أصبحت عليها والخراب الذي طالها _حركا فيها إرادة البحث عن حلول لهذا الوضع الذي يوجد عليه أحد الرموز الثقافية والتراثية والتاريخية للجزائر التي احتضنت في أزقتها معركة الجزائر الشهيرة، وعاش واستشهد بها رموز الثورة كعلي لابوانت وحسيبة بن بوعلي، وأيضا الثقافية على غرار الشيخ أحمد العنقة الأب الروحي للفن الشعبي الجزائري، وشاهد على أحد أروع فصول قوة الجزائر في عهد الدولة العثمانية.
وتروي المهندسة الشابة كيف تولدت لديها الفكرة من خلال زياراتها المتكررة للقصبة والتي اكتشفت كل مرة _منزلا من منازل القصبة قد انهار وما يخلفه ذلك من انسداد في الممرات، ومجاري مياه الصرف الصحي التي تشوه المكان وتؤثر على صحة سكان المدينة_، هذا الركام جعلها تفكر في العمل على استعادة ما يصلح منه واستخدامه في إعادة ترميم وبناء مساكن في المساحات الخالية بالقصبة.
المشروع الذي تحمله الشابة سيلين يمثل أيضا مشروع مذكرة تخرجها لنيل درجة الماستر والتي تركزت حول دراسة _حطام منازل القصبة_، وكيف يمكن أن تكون جزءًا من منطق الاقتصاد الدائري والمستدام، والذي يستجيب لتوصيات مشروع حماية القصبة، حيث ينص على استخدام المواد المحلية في إعادة بناء المساحات الخالية بالقصبة_.
أما بخصوص الطوب الذي استطاعت أن تصنعه، وهو محور مشروعها لإعادة ترميم القصبة، فتمثلت مرحلته الأولى في طحن الحطام والأتربة عن طريق آلة خاصة، وبعد تجارب وتغيير في نسب المواد المستعملة والأحجام، استطاعت التوصل لصناعة طوب يستجيب لمعايير البناء من حيث الكثافة والتحمل والشكل.
وحسبها التحدي الأكبر في هذه المهمة المعقدة، كان القدرة على الحصول على طوب صلب مستخلص من الأتربة وبقايا حطام المنازل يستجيب للمعايير الخاصة بالمقاومة. وتقول المعمارية الشابة، إنه بعد 28 يوما من التجارب لم تستطع أن تكمل كل تجاربها بسبب قرب مناقشتها لمذكرة تخرجها، وأيضا الوضعية الوبائية، اللذين حتما عليها تعليق أعمالها البحثية عند هذا المستوى.
وبخصوص تجسيد مشروعها، تقول المهندسة سلين جاووت إنها أمام مهمة إنهاء تجاربها حول الطوب الذي سيكون حجر الزاوية في مشروعها، لتنتقل بعدها إلى تجسيد نموذج مصغر لما تريد أن تنجزه بأحد الفضاءات الشاغرة في القصبة.
المهندسة الشابة سيلين لم تتواصل بعد مع الجهات الرسمية التي تتكفل بإعادة تهيئة القصبة لتقديم مشروعها، لكنها كانت سعيدة لأنها شاركت في _ويبينار_ بمناسبة الذكرى الـ28 لتصنيف القصبة كمعلم من التراث العالمي الإنساني من طرف اليونسكو.
لكن في المقابل تقول إنها أحاطت بعض سكان وحرفيي مدينة القصبة علما بمشروعها، لأهمية انخراطهم في أعمال التهيئة. وعن رسالتها لسكان القصبة وللسلطات العمومية، تؤكد سيلين جاووت بأنها تهدي عملها هذا للقصبة: _لنقول لها بأنه ما زال لدينا الأمل، حتى ولو من أجل معالجة أمراضها الصغيرة_، كما توجه نداء إلى سكان القصبة من أجل مساعدتها في جمع الأتربة وحطام المنازل لإتمام بحوثها، ولما لا التوصل بإعانة من السلطات لترسيم مشروعها.
ب/ص