معالم تاريخية كثيرة في الجزائر تثير الفضول للبحث عن قصتها وعراقتها مثل “كتشاوة” و”سيدي بلحسن” و”الجامع الكبير”.. وغيرها.
لكن ماذا نعرف عن “سيدي غانم”؟ الذي يعدّ أول مسجد في البلد، وتعود قصته إلى الفتوحات الإسلامية، وقد نال نصيبه من انتقام الاستعمار الفرنسي فور دخوله البلد.
في مدينة “ميلة العتيقة” يقع مسجد “سيدي غانم” نسبة إلى أحد “أولياء الله الصالحين” الذين كانوا من رجال العلم والمعرفة، بحسب أهل المدينة.
ويعد مسجد “سيدي غانم” المسمى أيضا بـ”أبو المهاجر دينار”، ثاني أقدم مسجد في دول المغرب العربي بعد مسجد القيروان في تونس، وفق باحثي تاريخ.
شُيد المسجد الذي يقع في المتحف الأثري بالمدينة، قبل 13 قرنا، وتحديدا في عام 59 هجريا، الموافق لـ 678 ميلاديا، حسب مصادر تاريخية.
وتعود قصة بنائه إلى الفتوحات الإسلامية عندما فتح الصحابي أبو المهاجر دينار مدينة ميلة (ميلاف قديما)، والتي كانت تحت الاحتلال البيزنطي (534-647م) ويدين سكانها بالمسيحية، حسب مؤرخين.
وورد في موسوعة “التاريخ الإسلامي-فتح شمال أفريقيا” أنّ معاوية بن أبي سفيان عزل عقبة بن نافع وولى مكانه أبو المهاجر دينار (توفي في الجزائر: 683م)، الذي أدرك أن “سكان شمالي أفريقيا أشداء ووجب التعامل معهم بليونة”.
وحسب الموسوعة، نجحت سياسة أبو المهاجر دينار في اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحاً كبيراً مع زعيمهم كسيلة بن لمزم، الذي أسلم لاحقا.
وجعل الصحابي أبو المهاجر دينار مدينة “ميلة”، التي تضم في جنباتها المسجد، مركزا للقيادة ومنطلقا لفتوحاته الإسلامية.
وقال الباحث في التاريخ الجزائري، نورالدين بوعروج، “في العصر الذي انتشر فيه الإسلام في شبه الجزيرة العربية، كانت مدينة ميلاف (ميلة حاليا) مهد المسيحية بالمغرب الأوسط (الجزائر)”.
وأضاف بوعروج للأناضول أنّ “ميلة اشتهرت آنذاك بقديسها المنظر والكاتب (أوبتاتيس أوبتا الميلي) الذي ما تزال ترانيمه تتلى إلى اليوم في قداسات الصلوات المسيحية الكاثوليكية”.
وأشار إلى أنّها فتحت على يد المسلم أبو المهاجر دينار مولى وتابع “مسلمة بن مخلد الأنصاري”، في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان وكان ذلك سنة (59 هجرية- 678م).
وأوضح أنّ أبا المهاجر شيّد دار الإمارة ومسجدا للمسلمين عرف بعدها بـ “سيدي غانم” وكان النواة الأولى لنشر الإسلام في الجزائر، حسب بوعروج.
وتعرض المسجد بمجرد سقوط ميلة في يد الاستعمار الفرنسي عام 1838، لمحاولة السطو عليه بعد التمكن من دار الإمارة التي كانت تجاوره حسب بوعروج.
بوعروج أوضح أنّ فرنسا الاستعمارية انتقمت من السكان بتحويل المسجد إلى ثكنة لجيشها، كما هدمت وشوهت كثيرا من معالمه ذات الطابع المعماري الإسلامي، منها منارته واستغلال حجارتها في بناء مرافق لها.
من جهته، قال حسن صديقي رئيس جمعية تواصل للسياحة ومقرها ميلة إنّ “مسجد سيدي غانم كان يستقطب أعدادا معتبرة من الزوار من مختلف محافظات البلاد قبل تفشي وباء كورونا”.
وأضاف صديقي للأناضول أنه “في ظل الوباء تراجع عدد الزوار بشكل كبير، على أمل أن يتحسن الوضع ويعود عشاق الآثار والتاريخ إلى ميلة ومسجدها العتيق”.
وأشار إلى “عملية ترميم أجرتها مديرية الثقافة على المسجد قبل نحو عام، لكن توقفت لأسباب مجهولة”.
ق/ث