يعتبر من أهم النعم التي أنعم الله بها على الكائن الحي، وأنه في الواقع دليل لا يقاربه شك على وجود الله، وكذلك نعمة تستحق منا أن نُخضع جباهنا شكرا للمولى سبحانه وإجلالا له. فالنوم عملية تتم دون أن يكون للإنسان دخل بها، ولا سيطرة له عليها، فهو في وقت معين تبدأ قواه في التناقص، وتعتريه حالة من الاستعداد للنوم، ثم لابد بعد ذلك أن ينام سواء أكان بالنهار أم بالليل. ومن هنا يجيء التساؤل عن مراحل أو درجات النوم. قال تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ” الفرقان: 47. وقال تعالى: ” وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ” النبأ: 9. ومعنى النوم سباتاً أي قاطعاً لراحة الأبدان. فإن الأعضاء والجوارح تكل من الحركة في الانتشار بالنهار في المعاش، فإذا جاء الليل وسكن، سكنت الجوارح فاستراحت فحصل النوم الذي هو راحة البدن والروح معاً.
فمن هذا المعنى العظيم لحكمة النوم نرى أن من اللازم الحتمي والضروري نوم الإنسان ليعاود نشاطه في كدح النهار. ولذا جاء قوله تعالى بعد ذلك ” وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ” الفرقان: 47 أي تنتشرون للسعي على الأرزاق وقضاء الحاجات والمصالح فيكون النوم نعمة لا تضاهيها نعمة من نعم الحياة الدنيا وهو آية من آيات الله مقدر الليل والنهار. قال تعالى: ” وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ” الروم: 23. قال القرطبي: قيل في هذه الآية تقديم وتأخير. والمعنى: ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل وعطفه عليه. والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة فجعل النوم بالليل دليلاً على الموت والتصرف بالنهار دليلاً على البعث، فسبحان مقدر النوم رحمة بعباده وآية من آياته.