يستغرق تكوين الجبال ونصبها ملايين السنين عبر رحلة شاقة ضاربة في أعماق الزمان. وفى أثناء تلك الفترات تتراكم الرواسب ثم يعتريها التشوه والتصدع ثم ترفع الجبال. وقد تنصب الجبال بأن تصطدم قارة بقارة أخرى. وإليك على سبيل المثال قصة نصب سلاسل جبال الهيمالايا، فالهند كانت تقع على الحافة الجنوبية لبحر قديم لا وجود له اليوم اسمه بحر التيثى Tethyan Ocean بينما كانت تقع التبت عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة. وقطعت الهند مسافة حوالي 1500 كم في أثناء زحزحتها باتجاه آسيا. إلى أن أتى وقت اختفى البحر وابتلعه جوف الأرض، وجاءت لحظة التصادم المحتومة وعند نطاق التصادم دكت الهند دكا، وسحقت التبت سحقا، ركبت الأخيرة فوق الهند، وحينئذ نصبت جبال الهيمالايا.
حقا إنها أشبه بقيامة صغرى تعلو فيها قارة فوق قارة. والأعجب أن تبرز الجبال من رحم المحيط، وجبال عمان الشمالية خير مثال على ذلك، فحول العاصمة مسقط يمكن أن ترى قاع بحر قديم قد ألقى على اليابسة، نتيجة تصادم قاع ذلك البحر بيابسة العربية، وامتطى قاع البحر سطح الأرض. وأثناء التصادم ذلك التصادم المريع نقلت جبال من أماكنها بالكامل لمئات الكيلومترات، وتنشأ جبال وتنصب تنصب من جراء تصادم قارة بقارة مجاورة، أو قارة وقاع بحر، أو قاع بحر ينطبق من منتصفه، وأيضا من رحم البحر المشقوق من منتصفه، أو القارة المنشطرة، وما أوتينا من العلم إلا قليلا.
وتبقى كلمات القرآن حافزًا للعقل البشري ليبحث في قوله تعالى ” وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ “. ويثبت العلم الحديث أن الجبال تنشأ بفعل حركة قطع الأرض المتجاورات، حيث تتصادم القطع المتجاورة أو تتباعد، ومن تصادمها وتباعدها تبرز سلاسل الجبال، يقول تعالى ” وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ “.