إن الخشوع والتصدع، قد تكون صفتان ملازمتان للجبال الدائمة الخشية لله، فهي ليست مجرد جمادات وأحجار صماء كما نتوهم، بل هي مخلوقات مسخرة مأمورة منقادة مطيعة، تسبح و تؤوب… ، يقول تعالى في سورة الأنبياء ، الآية 79 ” و سخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير، و كنا فاعلين”، كما أنها قد تتأثر أيما تأثر من فرط سماع كلمات الشرك تصدر عن الإنسان المكلف، يقول عز من قائل في سورة مريم ، الآيتين 90 و 91 “يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض و تخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمان ولدا”. ومما جعلنا ننحو هذا المنحى في فهم الآية الكريمة قوله عز وجل “لرأيته” والرؤية بصرية كما جاء في تفسير التحرير و التنوير، و قوله أيضا “وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون”، فالآية واردة إذن على سبيل التمثيل لا التخييل كما يقول الإمام أحمد ، توضح هذه المعطيات العلمية الثابتة بجلاء أن صخور الجبال تتميز بخاصيتين اثنتين، هما خاصية الطي أو الالتواء و خاصية التصدع. و نستطيع القول: إن القرآن الكريم قد سبق بالإشارة إلى هذه الحقيقة العلمية منذ أزيد من أربعة عشر قرن في قوله عز و جل : “لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعاً من خشية الله”، إذ نفهم من الآية الكريمة أن خشية الجبال لله تتم من خلال التواء الصخور وطيها “وهو الخشوع”، و من خلال تكسرها و تفلقها “وهو التصدع”.
يقول الطاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى “لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله” : و المعنى: “لو كان المخاطب بالقرآن جبلاً، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بالقرآن تأثراً ناشئاً من خشية الله، خشية تؤثرها فيه معاني القرآن”. لكننا نرى أن تأثر الجبال من خشية الله، بل إن القرآن الكريم نفسه يخبرنا أن الجبال قد يبلغ بها التأثر من خشية الله مبلغا يفوق الخشوع و التصدع بكثير، يقول تعالى في الآية 143 من سورة الأعراف: “قال لن تراني و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و خر موسى صعقا”.