في رجب من السنة التاسعة للهجرة النبوية، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاربة الروم في غزوة سميت بغزوة تبوك نسبة إلى عين ماء يقال لها تبوك، وللغزوة اسم آخر معروفة ومشهورة به وهو: غزوة العسرة، وذلك لصعوبة وشدة الظروف التي وقعت فيها أحداثها، من شدة الحر وقلة الماء، وبُعْد المكان وقلة المال والدواب، وقد ورد هذا الاسم ـ العسرة ـ في القرآن الكريم في الحديث عن هذه الغزوة في سورة التوبة، قال الله تعالى “لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ” التوبة: 117، واستغرقت غزوة تبوك خمسين يوماً، وقد تحمَّل فيها الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من المشقة والتعب، وبدأت المعاناة للمسلمين بسبب نقص الماء وشدّة الحرارة وقلّة الدواب التي يركبونها، حتى إن البعير الواحد كان يتناوب عليه الجماعة من الرجال، واضطرّ بعضهم إلى أكل أوراق الشجر ونحر الإبل ليشربوا ما في بطونها، وبعد أن بلغ بهم الجَهْد مبلغاً عظيماً شكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، واستأذنوه أن ينحروا بعض إبلهم التي يسقون عليها ليأكلوا منها. ويصف أبو هريرة رضي الله عنه ذلك الموقف من غزوة تبوك وما حدث فيه من دلائل النبوة فيقول: “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأصاب الناس مَجَاعة وقالوا: يا رسول الله لو أذِنْتَ لنا فنحرنا نواضحنا “الإبل التي يُستقى عليها” فأكلنا وادَّهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا، فجاء عمر وقال: يا رسول الله، إنْ فعلوا قلّ الظهر “الإبل التي يُحمل عليها وتُرْكَب”، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم “طعامهم”، فادع الله عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة، قال: نعم، ثم دعا بنطع “بساط من جلد” فبُسط، ثم دعا بفضل الأزواد، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال أبو هريرة: فحزرته فإذا هو قدر ربضة العنز “كقدرها وهي جالسة”، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم حتى والذي لا إله إلا هو ما بقي في العسكر وعاءٌ إلا ملؤوه، وأكل القوم حتى شبعوا، وفضلت فضلة.