سنريهم آياتنا في الآفاق.. خصائصَ الدّماغِ البشريِّ

سنريهم آياتنا في الآفاق.. خصائصَ الدّماغِ البشريِّ

مَن مِنَّا يُصدّقُ أنَّ في الدّماغِ البشريِّ خصائصَ لو فُقِدَتْ إحداها لكانَتْ حياتُنا جحيماً، من هذه الخصائصِ خاصّةُ الانتباهِ، وخاصّةُ الاعتيادِ، خاصَّتان متناقضتان، فالانتباه يركّزُ الإنسانُ به على مفهومٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ وكتجرِبةٍ بسيطةٍ، ضَعْ آلةَ تسجيلٍ على النافذةِ المطِلَّةِ على الشارعِ، واجْلسْ مع أخٍ، وتحدّثْ معه في موضوعٍ دقيقٍ مهمٍّ نصفَ ساعةٍ من الزّمَنِ، وبعدَها قلْ: ما الذي حدثَ في الشارعِ حين كنت تتحدَّثُ؟ فيقول: ما سمعتُ شيئاً، افْتحِ المسجّلةَ تسمعُ أصواتاً، وباعةً، وحوادثَ، وصياحاً، كل هذه الأصواتِ أنت ما سمِعتَها، فما تفسيرُ ذلك؟ الصّوتُ دخلَ إلى الغرفةِ، ولامسَ غشاءَ الطّبلِ، واهتزّ غشاءُ الطّبْلِ، ونُقِلَ الصوتُ إلى الدّماغِ، وأنت لم تسمعْهُ! فهذه الظاهرةُ اسمُها الانتباهُ، أيْ إنّ الإنسانَ يركِّزُ انتباهَه على مفهومٍ واحدٍ، في وقتٍ واحدٍ، وقد سمَّى العلماءُ هذه الظاهرةَ الوَعيَ الانتقائيَّ، فالدّماغُ يغلقُ جميعَ منافذِ المعلوماتِ التي لا علاقةَ لها بالموضوعِ المَعنيِّ، يغلقُ منْفذَ السَّمْعِ، ومنفذَ البصَرِ، ومنفذَ الإحساسِ، كلُّ هذه المنافِذ تُغلَقُ، ويبقى الموضوعُ المَعنيُّ مفتوحاً، ويسمحُ الدّماغُ بالمرور للذّكرياتِ ذاتِ العلاقةِ بالموضوع فقط.
كيف يسدُّ الدِّماغُ كلَّ منافذِ المعلوماتِ، ويسمحُ فقط للمعلوماتِ التي لها علاقةٌ بهذا الموضوعِ؟ هذا هو الوَعيُ الانتقائيُّ، الانتباهُ. وقالَ العلماءُ: “هناك حالةٌ أعقدُ من ذلك، هناك تركيزٌ دائمٌ، فهذه الأمُّ المرضِعُ تنتبهُ لصوتِ بُكاءِ ابنِها الرّضيعِ من بينِ أشدِّ الأصواتِ صخباً، فلا يوقِظُها إلى صوتُ ابنِها الرّضيعِ، قد يُغلقُ بابٌ، وقد يحدثُ ضجيجٌ، وهي نائمةٌ فلا تستيقظُ، فإذا سمعَتْ صوتَ ابنِها الرّضيعِ يبكي تهبُّ واقفةً”، فما تفسيرُ ذلك؟ تفسيرُ هذه الحادثةِ علميّاً صعبٌ جِدّاً، فهناك صوتٌ أشدُّ لم يوقِظْها، قالوا: هذه حالةٌ أخرى، إنها التركيزُ الدائمُ، هاتان الظاهرتان في الدّماغِ لولاهما لأصبحَتْ حياتُنا جحيماً، قالَ الله عز وجل: “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا” إبراهيم: 34. هناك نعمةُ التفكيرِ، ونعمةُ التخيُّلِ، ونعمةُ التصوُّرِ، ونعمةُ المحاكمةِ، ونعمةُ التذكّرِ، ونعمةُ الإدراكِ، ونعمةُ الإحساسِ.

من مقالات الباحث عبد الدائم كحيل