سنريهم آياتنا في الآفاق.. التدرج في خلق السماوات والأرض

سنريهم آياتنا في الآفاق.. التدرج في خلق السماوات والأرض

إن خصيصة التدرج وثيقةُ الصلة بالربوبية، فهي سنة الله تعالى في الخلق والتكوين، مع قدرته المطلقة أن يفعل ما يشاء، ويخلق ما أراد بكلمة واحدة، قال تعالى ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ” يس: 82، ولكن الحكمة من ذلك أن الله تعالى يعلمنا التدرج في كل شيء؛ ليكون العمل قائمًا على أسس راسخة، ويكون البناء متينًا ومحكمًا، فالإحكام من ثمرات التدرج، يقول صاحب كتاب “من مرتكزات الخطاب الدعوى في التبليغ والتطبيق”: يتدرَّج الخالق القدير على الإنشاء والتكوين، دونما عناء وتعب، ودونما حاجة إلى تخطيط أو تفكير، ولا إلى وقت أو زمن، يتدرج في خلق السموات والأرض، ويتدرج في خلق الإنسان، وفي كل ذلك تنبيه للدعاة والمصلحين أنه ما من بناء لا يراعَى فيه التدرج، ولا ينشأ على خطوات ومراحل، إلا انهدم على أهله. وفي قوله تعالى ” وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ” الشمس: 5، وقوله تعالى ” وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ” الأنبياء: 32، إشارة واضحة إلى أن السماء لم تخلق في لحظة واحدة وبدون أساس؛ لأنه ما من بناء إلا ويقوم على قواعد ثم تقام الأعمدة، ثم يبنى السقف، وفي ذلك إشارة إلى خلق الأرض أولاً، ثم كان خلق السماء، وتفصيل ذلك في سورة فصلت، يقول عز وجل “قُلْ أَئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ  ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ” فصلت: 9 – 12، وعادة ما يكون التزيين والتحسين بعد تمام البناء. في الآيات السابقة يُبيِّن الله تعالى أنه لم يخلقِ السمواتِ والأرضَ في لحظةٍ واحدة، ولكن على مراحل، بدليل كلمة “ثم” التي تفيد الترتيب والتراخي، فكان ذلك على تقدير من الله تعالى وعلى تمهُّل.

 

من مقالات الباحث عبد الدائم كحيل