لقد أوضَحت أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم قضايا كثيرة في جسم الإنسان وفيما سواه من الأمور التي لم يُكشَف عنها اللثامُ إلا في الآونة الأخيرة، كما لا يزال بعضها يحتاج إلى المزيد من التقدم في العلوم الكونية؛ حتى تتضح كل أبعاد حقائقها الرائعة البعيدة الغَور الصَّعبة المنال؛ مصداقًا لقول الله تعالى ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ” فصلت: 53. ومن جملة هذه الأحاديث تلك الأحاديث المتعلقة بعَجْب الذَّنَب، والتي أوضحت أن جسم الإنسان كله يركب منه عند تكوين الجنين، كما أن ما يبقى منه في التراب هو الذي يعاد تركيبه يوم القيامة بأمر الله تعالى. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه مثله عن أبي هريرة وجاء فيه: “كل ابن آدم يأكله الترابُ إلا عَجْب الذَّنَب، منه خُلِق وفيه يُركَّب”، وفي لفظ آخَر له: “وليس من الإنسان شيء إلا يَبلى إلا عظمًا واحدًا وهو عَجْب الذَّنَب، ومنه يُركَّب الخلق يوم القيامة”. إن أحاديث عجب الذنب من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فقد أوضح علم الأجنة الحديث أن الإنسان يتكوَّن وينشأ من عجب الذنب هذا “يدعونه الشريط الأولي Primitive Streak” وهو الذي يُحفز الخلايا على الانقسام، والتخصص، والتمايز، وعلى أثره مباشرة يظهر الجهاز العصبي في صورته الأولية “الميزاب العصبي”، ثم الأنبوب العصبي، ثم الجهاز العصبي بأكمله ويندثر هذا الشريط الأولي إلا جزءًا يسيرًا منه يبقى في المنطقة العصعصية التي يتكون فيها عظم الذنب “عظم العصعص”، ومنه يعاد تركيب خلق الإنسان يوم القيامة؛ كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
من مقالات الباحث عبد الدائم كحيل