كان ابن باديس مدرسة أخلاقية بسلوكه وتصرفاته ومعاملاته، وكانت أقواله ونظرياته صورة صادقة لواقع حياته، وعصارة خالصة لأعماله ومعتقداته. كان رحمه الله نموذجا صادقا وصورة حية لتلك المبادئ التي طالما نادى بضرورة العودة إليها، من أجل إنقاذ شعبه وإسعاده.. وكان أسوة في التواضع والتسامح ونكران الذات، وكذلك كان في الصرامة والشجاعة والثبات. تأثر الشيخ ابن باديس كثيرا بأخلاق شيوخه الذين تلقى عنهم العلم، خاصة أستاذه الأول الشيخ “حمدان الونيسي” ، الذي طبع حياته بطابع روحي وأخلاقي لم يفارقه أبدا، فكان لذلك تأثير كبير على منهاجه التعليمي والتربوي.
اشتهر رحمه الله بالزهد والانصراف عن متاع الدنيا. ورغم أن عائلته كانت من سراة قومه، ووالده كان من أعيان مدينته، إلا أنه في شخصه كان متقشفا، متواضعا تواضع العلماء العارفين، فكان بذلك أكثر قربا من العامة لا من الخاصة. كان الشيخ ابن باديس في كثير من مواقفه لينا من غير ضعف، فهو في الحـق صـارم.. وحين تخـور العزائـم، فهـو شجـاع شجاعـة من لا يخاف في الله لومة لائم، ولا غطرسة ظالم متجبر. تجسدت هـذه الخصال في مواقفه العديدة مع سلطات الاحتلال، ومن ذلك موقفه مع وزير الحربية الفرنسي “دلادييه” ، أثناء ذهاب وفد المؤتمر الإسلامي إلى باريس في 18 يوليو 1936م، حيث هـدد الوزير الفرنسي الوفد الجزائري وذكرهم بقوة فرنسا، وبمدافعها بعيدة المدى قائلا: “إن لدى فرنسا مدافع طويلة” ، فرد عليه ابن باديس: “إن لدينا مدافـع أطـول” ، فتسـاءل “دلادييه” عـن أمـر هـذه المدافـع؟ فأجـابـه ابن باديس: “إنها مدافع الله”. فقد كان رحمه الله جريئا في غير تهور، شجاعا في غير حمق، يطرح مواقفه، ويعرض قضايا الأمة ومشكلاتها، وكله استعداد للبذل والتضحية، غير مبال بصولة المستعمر وظلمه، متمثلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر “. ومما تميز به ابن باديس رحمه الله، حسن استغلاله للوقت، فهو منظم في عمله، دقيق في توزيع وقته على المهام العديدة التي يقوم بها.
كان مدركا لقيمة الوقت، وضرورة استغلاله، والاستفادة من لحظاته، وتظهـر نظرته هـذه واضحـة فـي سيـاق تفسيـره لقـول الله تعـالى ” أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا”. وليس عجيبا أن يهتم مصلح مثل ابن باديس بالوقت هـذا الاهتمام الكبير، وهو الذي يقول عند تعليقه على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.
الكاتب محمد حميداتو