دوار أولاد بوفاهة، من المناطق الجبلية التي تزداد جمالا بفعل تضاريسها الوعرة، وطبيعتها الخلابة، التي تصنعها تفاصيل غطائها النباتي، بأحراشه، وأشجار البلوط، وأشجار الزيتون، فالزائر لهذه المنطقة يجد نفسه بين المتعة بسحر الطبيعة، والانتعاش الجسدي بفعل ارتفاع المنطقة وهوائها النقي، والعليل الذي يشرح الصدور.
الفرار من المنطقة للبحث عن ملاذ آمن والأمان
زمن العشرية السوداء بقساوتها، وصعوبة البقاء في تلك المنطقة، بفعل انتشار الرعب، والخوف على الأنفس والممتلكات كان سببا قويا جدا للخروج منها، بل الفرار منها جماعيا إلى مناطق أخرى للبحث عن ملاذ آمن والأمان، وهو ما جعل منازلها المبعثرة عرضة للاهتراء الذي تسببت فيه السنون، رغم أن المنطقة اليوم تتمتع بالأمان، وتم تسجيل عودة بعض أبنائها إليها، في انتظار التحاق البقية، وهو ما أصبح اليوم بالنسبة لهم الشغل الشاغل، خاصة في ظل النقائص التي فرضتها عليهم عزلة المنطقة.
المطالبة بتنمية المنطقة
كل ذلك يبقى -لحد الآن- دافعا للسكان للمطالبة بتنمية المنطقة، وبعث الحياة فيها بمساعدتهم على الاستقرار والعودة إليها لإعمارها من جديد، ولإحياء مختلف نشاطاتهم التي كان آباؤهم يمارسونها من قبل، فنجد الساكنة الآن على مستوى أرجاء المنطقة تحت ضغط كبير بسبب أوضاع القرية المتردية، والظروف الصعبة للمواطنين.
فالمنطقة تفتقر إلى أبسط ضروريات الحياة، وغياب مظاهر التنمية، والنقص الكبير في الهياكل التي يمكنها أن تلبي حاجيات المواطنين في مختلف المجالات، إضافة إلى انعدام مياه الشرب واعتماد السكان على الينابيع الطبيعية، وتدهور وضعية الطرق والمسالك، وانعدام قنوات الصرف الصحي.
تهيئة الطرق والمسالك
من أهم الصعوبات التي تواجهها هو تواجدها في منطقة تضاريسها صعبة للغاية، وطابع جبلي، ومعزولة إلى درجة كبيرة، ما جعلها خلال السنوات الفارطة نقطة تكاد تكون منسية، وما زاد في ذلك تدهور الطرق المؤدية إليها، أهمها الطريق الرئيسي الذي يربط القرية بمركز البلدية، الذي يتواجد في وضعية متدهورة، تصعب تنقلات المواطنين، وكذلك غياب المسالك التي تربط مشاتي القرية، ومناطقها ومنازلها، وهو ما يخلق صعوبة التواصل بين السكان، ومع العالم الخارجي.
هذه الوضعية تزيد من معاناة المواطنين الساكنين فيها، أوله انعدام النقل، لتفادي أصحاب الحافلات والسيارات التوجه إلى القرية بمشاتيها، لكون الطريق يهدد سلامة المركبة، ويمكن أن يتسبب لها في أعطاب ميكانيكية مختلفة، ونفس الشيء بالنسبة للسيارات الخفيفة، وتزداد حدة معاناة المواطنين مع الطرق والمسالك خلال تساقط الأمطار، ما يجعلها عبارة عن برك من الطين والأوحال والماء، هذا الوضع يفرض عليهم ارتداء الأحذية البلاستيكية “البوط”، وبغياب وسائل النقل تزداد الصعوبة أكثر فأكثر، ويفرض على السكان مرة أخرى التنقل مشيا على الأقدام، على مسافات طويلة.
توفير مياه الشرب
ورغم تقديمهم لشكاوى عديدة بغية التكفل بانشغالاتهم، فإن الأمر ما زال على حاله، وما زال سكان القرية يعيشون دوامة البحث عن مصادر المياه وجلبها، وهو ما يجعلهم في حيرة من أمرهم خلال السنة كلها، لغياب الماء الشروب، ولصعوبة اقتنائه، سواء كان من الينابيع الطبيعية المتواجدة على أطراف القرية وفي مناطق مختلفة وصعبة، منها في مناطق معزولة، وفي هذا الصدد نسجل اعتماد البعض منهم على الأحمرة، أو اللجوء لشراء المياه من الصهاريج، ما يزيد في تكاليفهم ومصاريفهم اليومية، وفي فترة الصيف عند ارتفاع درجة الحرارة، وزيادة الطلب على المياه.
ربط السكنات بالكهرباء
كما أن عدم ربط مساكنهم بالكهرباء، يزيد من صعوبة العيش في المنطقة، بحيث يشير البعض من السكان إلى أن الشبكة كانت متواجدة من قبل، لكنها خلال تلك الفترة، أصابها الاهتراء، ومنها ما قطع نهائيا وأتلف بفعل الظروف الطبيعية، أو من طرف الإنسان، وأن هذا يدفع بهم اليوم للاعتماد على الطرق البدائية في الإنارة.
وعلى صعيد آخر، فقد أبدى سكان هذه المناطق من قرية أولاد بوفاهة أسفهم لعدم تمكنهم من توجيه مياه الصرف الصحي إلى الشعاب والوديان، وعدم تمكنهم من نقل نفاياتهم المنزلية إلى المفرغات العمومية، حتى يتمكنوا من الحفاظ على محيطهم وبيئتهم، خاصة بعدما أصبحت هذه المياه مصدر خطر على الحياة بسبب خروجها للعراء، وانتشار الروائح الكريهة والحشرات، وبذلك تشويه البساط الطبيعي الساحر.
إنجاز قنوات الصرف الصحي وربطهم بالغاز الطبيعي
من الانشغالات أيضا، الحلم بربط سكناتهم بالغاز الطبيعي، وهو ما يرونه أكبر حافز يساعدهم على الاستقرار بالقرية، نظرا لطبيعتها القاسية، وبرودتها المعروفة، والأكثر من كل ذلك صعوبة الحصول على غاز البوتان في المنطقة وجلبه إليها.
إعادة إعمار المنطقة ستعود بالفائدة على الجميع
ورغم هجران الكثير من السكان إلى وجهات أخرى، فإن أملهم اليوم هو العودة إلى أراضيهم، والاستقرار فيها من جديد، وإحياء الكثير من نشاطاتهم، بحيث يؤكد البعض منهم أنه بإمكانهم المساهمة في تنمية الولاية، عن طريق غرس أشجار الزيتون التي تعطي زيتا طبيعيا، يمكن أن يكون من أجوده في الوطن، فإعادة إعمار المنطقة يمكن أن تعود بالفائدة على المواطنين أنفسهم وعلى الدولة باستغلالها للثروات المتوفرة فيها أيضا كأشجار البلوط والزان.
وتبقى آمالهم كبيرة في تدخل السلطات المحلية بالمنطقة بمشاريع مختلفة، أولها فك العزلة، ثم إنعاش الحياة اليومية لسكانها، وبذلك تنميتها وجعلها منطقة تجلب السكان بدل أن تكون طاردة لهم.
ج.ك