ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أحب الله العبد، نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبِبْه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضَع له القبول في الأرض”. إن الله تعالى إذا أقبل على عبده السالك استنار قلبه، وأشرقت حياته، وظهر عليه آثار إقبال من نضرة الجمال، وقدسية الجلال، وحينها يتوجه إليه أهل الملأ الأعلى بالحب والود، والبِشر والترحاب، ثم يُوضع له القبول في الأرض فيُسجل في كشوفات المقبولين بأحرفٍ من نور، تعبق بالسرور فيمشي بين الخلق محبوبًا؛ لأن التهيئة قد أُعدت له، فيلقى الكرم يحف به، ويجد الإيناس يحيط بمرآه، فما أسعد قلبه وهو يمشي، ويود كل شيء أن يقوم في خدمته والتقرب منه! والمراد بالقبول في هذا الحديث كما قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: “قَبول القلوب له بالمحبة، والميل إليه، والرضا عنه”. قال عبد الحق الأشبيلي رحمه الله: “وقد شُوهد رجال من المسلمين علماء صالحون كثُر الثناء عليهم، وصُرفت القلوب إليهم في حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من كثُر المشيِّعون لجنازته.
ولكن هذه المحبة من الله لهذا العبد، ووضع القبول له في الأرض ليس لشخصه، ولكنها محبة له لإيمانه بالله، وإتباعه لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” مريم: 96؛ قال ابن كثير رحمه الله: “يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية، يُغرَس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة”. وقال هرم بن حيان: “ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم”. فهذا حبيب العجمي كان في أول أمره تاجرًا لا يتورع عن الربا، فمرَّ ذات مرة بصبيان، فقالوا: تنحوا عن حبيب؛ لئلا يصيبكم من غبار قدمه؛ فإنه آكل للربا، فأوجعته المقالة، وندِم وتحسر، وذهب للحسن البصري، فتاب عنده، فلما رجع، قال الأولاد بعضهم لبعض: اتقوا أن تؤذوا حبيبًا التائب بعجاج أقدامكم، فتكونوا بذلك من الخاطئين، فقال في نفسه: سبحان الله! الإقبال على الله يفضي في ساعة إلى الذكر الجميل والثناء الحميد. فسرُّ القَبول هو قَبول سر تقدمه بين يدي الله تعالى، وتحافظ عليه، وتتشبث به، وتَعَض عليه بنواجذك، ولتكن هذه السريرة من إيمان وعمل؛ كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه: ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ” مريم: 96، وفي الحديث: “وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه…”.