يعد شاطئ الأندلسيات من أشهر وأبرز شواطئ ولاية وهران، إذ ما زال إلى حد اليوم يترأس قائمة شواطئ الولاية وأكثرها استقطابا للسواح ومن مختلف ولايات الوطن وحتى خارجها، خصوصا وأنه يحتوي على العديد من المرافق السياحية التي عادة ما تكون محجوزة بأشهر قبل انطلاق موسم الاصطياف.
يتميز شاطئ الأندلسيات بجمال الطبيعة وهدوء المكان، إضافة إلى وجود الأمن من خلال دوريات الدرك الوطني التي كانت تتنقل بين الفينة والأخرى لضمان راحة وسكينة السواح الذين يجيئون رفقة أبنائهم وبناتهم للاستمتاع بحرارة الشمس الدافئة، وما زاد من جمالية شاطئ الأندلسيات تلك الرمال الذهبية الناعمة التي يصنع منها الأطفال قصورا وقلاعا وأشكالا هندسية بديعة.
ألعاب مائية لزيادة المتعة ومقتنيات مخلدة للذكرى
إضافة إلى ما حبى الله شاطئ الأندلسيات من جمال وروعة، قام المستثمرون بإضفاء لمستهم على الشاطئ، عن طريق جلب مجموعة من الألعاب المائية الضخمة والزاهية الألوان، لفائدة الأطفال وحتى الشباب الذين كانوا يتدافعون الواحد تلو الآخر، للقفز من علوها الشاهق والغطس مباشرة في مياه “الأندلسيات” الزرقاء المنعشة، فضلا عن قيام العديد من الباعة المتجولين القادمين من مختلف ولايات الجنوب الجزائري، ببيع الشاي ومختلف الحلويات و”الفول السوداني” بأسعار متفاوتة وحسب نوعية كل مادة استهلاكية يعرضها هؤلاء الباعة الذين كانوا يغطون رؤوسهم برداء يحميهم من أشعة الشمس اللافحة.
مثلجات ومأكولات على الكورنيش تحيي ليل وهران
ويتميز الليل في شاطئ الأندلسيات بما لا تجده في غيره من الأمكنة والشواطئ، حيث يتميز الليل هناك بسكون يضفي على المكان جمالا منقطع النظير، حيث تُداعب أمواج البحر الرمال الذهبية، ما يلطف نسمة الهواء العليل الذي ينعش الأجسام، بعد يوم كامل من الحرارة المرتفعة، حيث تستقر على طول “الكورنيش” الكثير من العائلات التي قدمت رفقة أبنائها لتناول مختلف أنواع المثلجات والمأكولات، ما يجعل إيجاد مكان هناك يستوجب الذهاب مبكرا بسبب الاكتظاظ، الذي لا يُعيق عُشاق المكان الذين تستهويهم أمواج البحر الهادئة لاسيما إذا زيّنت الجلسة بكأس الشاي الصحراوي.
حراس الشواطئ.. العين الساهرة واليد الحارسة
لا يمكن للزائر أن يُنكر الدور المهم والريادي الذي يقوم به حرّاس الشواطئ التابعون لمصالح الحماية المدنية ويشتهر شاطئ الأندلسيات بقلة حالات الغرق، وهو ما يرجع إلى تجاوب المصطافين مع أوامر الغطاسين الذين يتزايد الضغط عليهم خلال الفترة المسائية، حيث يعرف الشاطئ تزايدا في عدد المصطافين الذي يتطلب الكثير من الحرص والعمل إلى غاية ساعة متأخرة، إلا أن خبرة الغطاسين قد وفرت نوعا من الطمأنينة لدى العائلات المصطافة.
من جهة أخرى، فإن مصالح الحماية المدنية تحرص دوما على سلامة المصطاف بنشر أفرادها عبر نقاط يكثر فيها المصطافون، إلا أن أفراد الحماية المدنية يعملون دائما على سلامة الآخرين، وربما وسط ظروف صعبة بالتركيز المستمر مع المصطافين وتقديم النصائح.
من جهتهم، يُلاحظ تواجد كثيف لأفراد رجال الدرك الوطني بالشاطئ عبر دوريات منتظمة وهذا ما يبعث نوعا من الراحة والإحساس بالأمن، وهو ما أكدته لنا العائلات التي تقربنا منها.
سواء أفراد الحماية المدنية أو مصالح الدرك الوطني، فالكل يعمل على راحة المصطاف، وهذا ما قد يساهم أكثر في إنجاح موسم الاصطياف.
2 ملايين مصطاف في أسبوع
ويلاحظ في شاطئ الأندلسيات وجود مخيم صيفي للأطفال القادمين من الجنوب الكبير، وهو ما يعتبر فرصة للاستمتاع والتعرف على أطفال آخرين قدموا من مختلف الولايات.
فالبحر وشاطئ الأندلسيات قد جمع لوحده أشخاصا من هذا الوطن وحتى جاليتنا بالخارج، وما لفت انتباهنا أن بعض الأسر المغتربة قد تقاسمت وجبة غذائها مع إحدى العائلات التي لم يسعها اقتناء أشهى المأكولات وهذا ما قد يترجم تضامن أبناء هذا الوطن الكبير.
فالبحر يجمع كافة أنواع الطبقات الاجتماعية، فالجزائر على نقيض الدول الأخرى، أين يتطلب الدخول إلى شاطئ خاص أموالا كبيرة، لكن وحسب تصريحاته، فإن الأمر يختلف هنا، خاصة بوهران باعتبار أن الشواطئ هنا مجانية الاستغلال ولا تتطلب دفع أموال كثيرة، إلا ما تعلق بالمواد الاستهلاكية أو دفع حقوق مرأب السيارات، ولذا فغالبية المغتربين يُفضلون الاستمتاع بشواطئ الجزائر.
وخلال السنوات الأخيرة عرفت شواطئ الكورنيش الوهراني تحسنا ملحوظا من خلال النظافة التي يسهر القائمون عليها دائما، لذا فإن الكورنيش الوهراني أصبح قبلة للمصطافين لما توفره هذه الشواطئ من خدمات عديدة تكون أغلبها في متناول الجميع.
وحسب مصادر مسؤولة، فإن 4 شواطئ من الكورنيش تعرف خلال أسبوع واحد توافد أكثر من 2 مليون مصطاف، وهذا قد يمثل مدى اهتمام السلطات المحلية بإنجاح موسم الاصطياف، وحسب ذات المصدر، فإنه تم اتخاذ جميع التدابير اللازمة كتوفير المياه العذبة، على مدار الساعة، وقد تم أيضا القضاء على النقاط السوداء وإعادة تجهيز قنوات صرف المياه الصحية التي تتدفق مباشرة إلى البحر وتكثيف حملات المراقبة بالمطاعم، تجنبا لحالات التسمم، وقد أولى المسؤولون أيضا اهتماما للنظافة، وهذا بتوفير جميع الوسائل اللازمة لرفع القمامة، وتنظيف الشاطئ، فتضافر الجهود حسب ذات المصدر مطلوب أكثر خلال موسم الاصطياف من أجل إنجاحه وتدارك النقائص في انتظار الموسم القادم.
من جهة أخرى، فإن هذا العام قد عرف توافد المغتربين من دول أوروبية كفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا، وحتى من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما قد يبرز جليا اهتمام جاليتنا بالخارج بشواطئنا، في وقت تختار عائلات أخرى السفر إلى تونس… أو دول أخرى.
..وشباب فضلوا العمل
وبالمقابل، يُلاحظ تواجد حركة كثيفة للمركبات، وبمختلف الأنواع والأحجام، ومن جميع ولايات القطر، حتى من دول أجنبية، وقد كانت لنا الفرصة للحديث مع شباب يقطن بالبلديات المجاورة الذين فضلوا العمل بالشاطئ كبيع الشاي أو الحلويات وبأثمان معقولة والتي تجد إقبالا واسعا من قبل العائلات المغتربة.
و رغم أن هذا العمل شاق لكنه ممتع للغاية وقد يوفر بيع المواد الاستهلاكية دخلا للعائلة، وحول هذا الموضوع قال محمد إنه لا يهتم كثيرا بأمر السياحة أو الاصطياف، فالأهم بالنسبة إليه هو كسب لقمة العيش تحت درجة حرارة مرتفعة للغاية.
وأكد محمد أيضا أن شواطئ الكورنيش الوهراني هذا العام قد تحسنت أكثر وهذا ما يدعو (البائع) للارتياح أكثر مع العلم أن محمد يباشر عمله في حدود الساعة العاشرة صباحا لينصرف إلى المنزل إلى غاية الساعة الثامنة ليلا.
وأضاف محمد أن الأمن متوفر إلا بعض حالات الشجار بين الشباب في ساعات متأخرة من الليل، يفضل البعض تناول الخمر بعيدا عن الأنظار، إنه الصيف على حد تعبيره ولا يمكن التحكم أكثر في هذه الأمور، فهو منذ جوان الفارط لم يلاحظ حوادث تذكر، فالعائلات هنا هي من أجل قضاء فترة من الاستجمام إلى غاية ساعات متأخرة من الليل لتحل محلها عائلات أخرى تفضل تناول المرطبات والسمر إلى غاية الساعات الأولى من الصباح.
وأكد محمد أن الصيف للجميع دون استثناء والشواطئ التي يزخر بها الكورنيش الوهراني ما زالت بحاجة إلى استثمارات أخرى قد تكون في مستوى أذواق المصطافين، وقد توفر مناصب شغل دائمة للشباب العاطل عن العمل.
واعتبر أحد أصحاب المطاعم المتواجدة بشاطئ الأندلسيات أنه وإلى غاية الأسبوع الأول من شهر أوت المقبل، فإن المصطافين ستزداد أعدادهم ليتقلص الرقم عند نهاية ذات الشهر.
الشاطئ للجميع والإقامة لمن “استطاع إليها سبيلا”
“بنغالو” بـ 23 مليون في الشهر و4200 دج للغرفة لليلة واحدة
كل من يقصد شاطئ الأندلسيات من الولاية وخارجها يتبادر إليه أنه بإمكانه أن يقيم في مركب الأندلسيات، الذي تم إنجازه بتاريخ 23 جوان 1973، إلا أنه بمجرد أن تطأ أقدامه إدارة المركب يصطدم بالأسعار الجنونية للإقامة في أحد البنغالوهات أو الفيلات وكذا غرف الفنادق، فأسعار الخدمات وصلت إلى السقف، حيث يخيل للمواطن خاصة ذو الدخل المتوسط من أصحاب “الشهرية”، دون الحديث عن ذوي الدخل المحدود من أبناء الطبقة الكادحة، أنه في زيارة لأحد مركبات الدول الأوروبية، بعدما تجاوز سعر الإقامة في “بنغالو” واحد مبلغ أكثر من 23 مليون سنتيم في الشهر، وسعر الغرفة الواحدة لقضاء ليلة فيها يساوي 4200 دج، وهذا ما ليس في استطاعة عموم أرباب العائلات الذين يفكرون في الإقامة أيام بالمركب، والذين لا زال الكثير منهم يتقاضى 18000 دج.
فيما يتقاضى الكثير من المواطنين أجورا ضمن الشبكة الاجتماعية، أو ما قبل التشغيل، والتي تتراوح قيمتها المالية ما بين 3000 دج إلى 12000 دج في ظل البطالة الخانقة التي يعاني منها أفراد العائلة الواحدة، حيث يفرض أصحاب العملة المحملين بالأورو من الوافدين من ديار الغربة منطقهم، ويقودون سيارات فاخرة ذات ترقيم دول أجنبية.
وهكذا أصبح المواطن البسيط مجبرا على افتراش منشفة فوق الرمال وخارج المساحة التي اقتطعتها إدارة المركب لصالح الشريحة المقيمة عنده، والتي تقضي سهراتها الليلية في البحر داخل الرواق المخصص لهم بين حناجر نجوم الراي وموسيقى الديسكو الصاخبة التي لا تتوقف إلا مع بزوغ نسمات الفجر الموالي.
فيما يغادر المصطافون ما تبقى من ساحل شاطئ الأندلس قبل الساعة السابعة مساء، بعد قضاء نهارهم وسط زحمة كبيرة فوق الرمال نتيجة لتقلص مساحة الشاطئ، والتي تم السطو عليها من قبل القائمين على المركب في غياب النقل، بعدما تلفح أشعة الشمس رؤوسهم من كثرة انتظار الحافلات التي تخرج من الأندلسيات، خاصة مع إبعاد المحطات عن المركب لإفساح المجال لدخول سيارات الفئة المعينة التي تفضلها إدارة المركب بعيدا عن البقية المتبقية التي تركب الحافلات، وكأنها أفران متنقلة من كثرة الاكتظاظ فيها.
ومقابل هذا الوضع الصعب للعامة، تم نصب خيمة عملاقة وسط المركب، تقصدها العائلات المقيمة فيه بعد الساعة العاشرة ليلا إلى غاية الثانية صباحا، والتي لا تسمح بدخول إلا الذين يسددون مبلغ 400 دج للحصول على تذكرة الدخول للتمتع بكأس الشاي الصحراوي المركز، وبمجرد أن تمد بصرك داخل الخيمة، لا تجد إلا أعدادا قليلة بداخلها، أغلبيتهم من المغتربين، بينما السواد الأعظم من المصطافين الذين يترددون على مركب الأندلسيات ليلا تجدهم يمتعون نظرهم من الشباك المحيط بالخيمة، بعدما تعذر على الكثير من المواطنين دخول الخيمة، خاصة العائلات التي تكون كثيرة العدد.
ويتوفر مركب الأندلسيات على أكثر من خمسة مطاعم ذات وجبات متخصصة حسب كل بلد، والحديث عن أسعارها يبقى ذا شجون ولا تقصده إلا فئات معينة، فيما يحمل بقية المصطافين الوافدين إلى المركب من وهران والولايات الأخرى حسب ترقيم السيارات وجباتهم معهم، والتي تحضر في المنزل.
ورقة تقنية للمركب
يتربع مركب الأندلسيات على 20 هكتارا وبها 1600 سرير، منه 175 فيلا وبنغالو و400 غرفة فندقية، وبه عدة مطاعم ذات تخصصات معينة، منها الوجبات الإيطالية والفرنسية والتقليدية وغيرها، كما يشرف عليه 15 من المحترفين في مجال الغطس يقومون بتقديم دروس للذين يستهوون السباحة في عمق البحر، حيث إن هناك مشروع إنجاز ملحقة تكوين سيستفيد منها 120 طالب في تخصص الفندقة، ويستغرق التكوين مدة 16 شهرا، يشرف عليه إطارات المركب وكذا من المعهد التكنولوجي ببوسعادة لتدعيم بهم مختلف هياكل المركب وكذا للنهوض بقطاع السياحة بالولاية، خاصة في ظل النقص الكبير فيما يخص الأيدي العاملة المؤهلة، ما جعل المركب يستنجد بعمال من مدارس تكوين أخرى، وخاصة من منطقة القبائل، للتكفل بالوافدين على المحلات التجارية من مطاعم ومقاهي وإقامات مركب الأندلسيات من أجل تقديم خدمة أفضل لزبائن المركب.
من جهة أخرى، يبلغ سعر الغرفة الواحدة للفندق 4200 دج لليلة الواحدة، وسعر البنغالو 13000 دج إلى 14000 دج للشهر، بالإضافة إلى أجنحة خاصة أسعارها تتراوح من 1200 إلى 1300 دج لليلة الواحدة، وبالرغم من ذلك فإن الطلب يبقى أكثر من العرض أمام التدفق الكبير للمصطافين، وهو ما جعل إدارة المركب تفكر في إنجاز مشروع توسيع غرف البنغالو، حيث تم رصد 500 مليون دج للعملية، وسيتم الانطلاق فيها مباشرة بعد انتهاء موسم الاصطياف تحضيرا للموسم القادم بعدما تمت عملية ترميم للمركب بلغت نسبتها 80 بالمائة، والأشغال ستبقى متواصلة لإعادة الاعتبار لهذا الهيكل السياحي الذي وجد به العديد من النقائص، خاصة وأن الفرنسيين قاموا بإنجاز هذا المركب من منطلق فلسفة السائح الأوروبي، وهو ما أوجد مشكلة فيما يخص ضيق الغرف الخاصة بالبنغالو لتتماشى وطلبات المصطاف الجزائري الذي يبقى عدد أفراد عائلته أكثر من السائح الأوروبي، إلى جانب إنجاز مشروع السياحة الصحية الموسم القادم كمنتوج جديد للنهوض بقطاع السياحة، حيث تم إعداد دراسات لفتح مركز علاج بماء البحر، خاصة أن من تقاليد سكان الغرب التوجه إلى الحمامات بكثرة.