وجه المؤرخ الفرنسي، بنجامين ستورا، انتقادات لاذعة للرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون، محملا إياه مسؤولية تفجير الأزمة غير المسبوقة مع الجزائر نتيجة ما وصفه بالانحراف السياسي في مقاربة قضايا حساسة، وعلى رأسها ملف الصحراء الغربية.
وفي حوار مع صحيفة “لوموند”، أكد ستورا أن قرار الرئيس ماكرون بالاصطفاف وراء المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي، خلخل التوازن التقليدي في الموقف الفرنسي، وساهم في توسيع الهوة بين الجزائر وباريس، معتبرا أن تجاهل فتح قنوات حوار مبكر مع الجزائر ترك العلاقات تغرق في ضبابية قاتمة ورغم تأكيده على أن العمل على ملف الذاكرة ليس كافيا بمفرده لحل الأزمة، شدّد ستورا على أن الاشتغال الجدي على تاريخ الاستعمار، خصوصًا ما أسماه بفظائع القرن التاسع عشر المرتكبة بين 1830 و1880، قد يكون بمثابة مدخل ضروري لإعادة بناء الثقة بين البلدين. واعتبر أن الاعتراف الرسمي بتلك الجرائم وإطلاق مبادرات شجاعة على هذا المستوى يمكن أن تمهّد لاستئناف الحوار السياسي. واستبعد المؤرخ الفرنسي فكرة القطيعة الدبلوماسية الكاملة، مثل إغلاق السفارات أو قطع العلاقات بشكل كلاسيكي، نظرا للتشابك العميق بين الشعبين على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، لكنه في المقابل وصف الأزمة الحالية بأنها الأشد تعقيد منذ استقلال الجزائر سنة 1962. وفي مفارقة تعكس عمق الأزمة، كشف ستورا أن الجزائر لم تعد فقط موضوع نزاع سياسي، بل تحولت إلى ورقة انتخابية رئيسية في الساحة الفرنسية، مشيرا إلى تصاعد الخطاب المعادي لها ضمن الحملات الانتخابية، وأعطى مثالًا بما قام به وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، الذي بنى جزءًا كبيرا من حملته لرئاسة حزب الجمهوريين على مهاجمة الجزائر والمطالبة بتبني تعامل أكثر صرامة معها، وهي المقاربة التي ضمنت له دعمًا واسعًا داخل أوساط اليمين الفرنسي. وختم ستورا حديثه، بالتحذير من استمرار هذا التصعيد، داعيا إلى تحكيم العقل وتبني خطوات سياسية متدرجة، تقوم على الواقعية لا الشعارات، وعلى الإرادة لا المناورة، واعتبر أن تجاوز الأزمة الحالية مرهون بقرارات سياسية شجاعة من قادة البلدين، خصوصا في باريس، حيث أضحت العلاقة مع الجزائر رهينة لحسابات انتخابية داخلية، بدل أن تبنى على احترام التاريخ المشترك والمصالح المتبادلة.
دريس. م