بعض الأغنياء الصالحين يظن أنه إذا أخرج زكاة أمواله فقد برئت ذمَّته من كل حقٍّ مالي، ولم يعُدْ مطالبًا بإخراج الصدقات، ولا التعاون على البر والتقوى، وهذا خطأ، ففي المال حق سوى الزكاة، وقد روى أبو عبيد من طريق هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم قال: سمعت الشعبي وسئل: هل في المال حق سوى الزكاة؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: ” وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ” البقرة: 177 إلى آخرها. وروى أيضًا، بإسناد صحيح، عن مجاهد: ” فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ” المعارج: 24 قال: سوى الزكاة.
ويدلُّ على أن في المال حقًّا سوى الزكاة ما ذكرناه من آيات كثيرة فيها الحث على الصدقة، والأمر بها، والثناء على من يتصدق بأمواله سرًّا وجهرًا، وليلاً ونهارًا، وفي كثيرٍ من الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن في المال حقًّا سوى الزكاة، ومن ذلك الحديث الصحيح: “ليس المؤمن بالذي يشبَعُ وجارُه جائع إلى جنبه”؛ رواه الطبراني عن ابن عباس، وصححه الألباني، وفي الصحيحين عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: انتهيتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة، فلمَّا رآني قال: “هم الأخسرون وربِّ الكعبة!”، قال: فجئت حتى جلست، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، مَن هم؟! قال: “هم الأكثرون أموالًا، إلَّا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا – مِن بين يديه ومِن خلفه، وعن يمينه وعن شماله – وقليلٌ ما هم”.
فيجب على أغنياء المسلمين أن يشكُروا ما هم فيه من نعمة المال؛ ففضل المال لا يُجهل، وفضل الغنيِّ الشاكر لا يُنكر، وفي الحديث: “المؤمن القويُّ خيرٌ مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير”، وإن من أعظم قوة المؤمن: قوة المال؛ فبالمال يستطيع الغنيُّ الموفَّق أن يعمل مِن الخير ما لا يستطيعه الفقراء؛ ولذا حث الإسلامُ على جمع المال مِن حِلِّه، وأثنى الله في كتابه على مَن لهم تجاراتٌ وبيوعٌ لا تُلهيهم عن ذِكره، ولا تشغَلُهم عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.