إنَّ نِعَمَ الله تعالى على عباده كثيرة ومتنوِّعة، وإنَّ القرآن العظيم هو أجَلُّ نعمِةِ أنعمها الله تعالى على عباده؛ ذلك أنَّ الله تعالى قدَّمه في الذِّكرِ على نعمة خلق الإنسان، وعلى نعم كثيرة: قال تعالى: ” الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ” الرحمن: 1-4.
والمتدبِّر للقرآن الكريم يلحظ كثرة الحديث عن عظمة القرآن في جانب كبير من الآيات والسُّور، ولا سيَّما في بداية ونهاية السُّور المكية، وكذلك القَسَم بالقرآن وعليه، والتَّنويه بالقرآن في مفتتح السُّور، والحديث عنه في أواخر السُّور، واقتران أسماء الله الحُسنى بتنزيل القرآن، وكثرة أسماء وأوصاف القرآن، ونزوله في أفضل الأزمنة، وبأرقى اللُّغات وأجمعها، وتيسير فهمه للعالمَين، وهيمنته على سائر كتب الله، وقد نزل للنَّاس أجمعين، ومع ذلك كلِّه تكفَّل الله تعالى بحفظه على مَرِّ السِّنين، كل ذلك يدلُّ على مكانته وعظمته.
والحديث عن مظاهر عظمة القرآن العظيم يدور في الأمور الآتية :
– كثرة أسماء وأوصاف القرآن: لقد سمَّى اللهُ تعالى القرآن ووصفه بأسماء وأوصاف كثيرة وردت جميعها في القرآن، إظهاراً لشرفه وعظمته، فكثرة الأسماء والأوصاف تدل على شرف المسمَّى والموصوف. فالمتأمل على سبيل المثال في قوله تعالى: ” حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ” الدخان: 1، 2 ، يجد أن الله تعالى سمَّاه كتاباً، ووصَفَه بأنه مبين. وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلَّت على كمال جلال عظمته، وكثرة أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم دلَّت على علوِّ رتبته، وسموِّ درجته. وكذلك كثرة أسماء القرآن دلَّت على شرفه، وفضيلته.
– فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل أحكام الله تعالى، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأنه وتفرُّدِه وسماويته ودليل عظيم على وحدانية مُنَزِّلِهِ جلَّ جلالُه.
والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لا يصل إليه أيُّ تحريف أو تبديل أبداً، فَكُتُبُ الله السابقة ائتمنَ الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرَّفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلماً وبهتاناً، ولكن الكتاب العظيم محفوظ من الله تعالى: ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” الحجر: 9.