وفي غض البصر عدة فوائد: أحدها تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فأضر شيء على القلب إرسال البصر، فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه. والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:
الفائدة الثانية: أنه يورث القلب نورًا وإشراقًا يظهر في العين وفي الوجه والجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه، ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى: ” اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ” النور: 35، عقب قوله ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ” النور: 30.
الفائدة الثالثة: أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، وإذا استنار القلب صحت الفراسة؛ والله سبحانه وتعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه، فمن غض بصره عن المحارم، عوَّضه الله سبحانه وتعالى إطلاق نور بصيرته، فلما حبس بصره لله، أطلق الله نور بصيرته، ومن أطلق بصره في المحارم، حبس الله عنه بصيرته.
الفائدة الرابعة: أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشف له بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم، وانسد عليه باب العلم وطرقه.
الفائدة الخامسة: أنه يورث القلب سرورًا وفرحة وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه، وأيضًا فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله.
الفائدة السادسة: أنه يسد عنه بابًا من أبواب جهنم، فغض البصر يسد عنه هذا الباب الذي عجزت الملوك عن استيفاء أغراضهم فيه.