إن في شأن الملائكة الكرام من وصفٍ لخلقتهم ومكانتهم وشرفهم، وقدرهم عن ربهم، وما وُكِلَ إليهم من مهام عظام، وأعمال كبيرة جسام، فهم مع ذلك كله مربوبون مسخَّرون لخالقهم، مطيعون غير خارجين عن أمره وعن طاعته وعبادته، فهم مَفطورون على العبادة، ومجبولون عليها، والعبودية وصفٌ لازم لهم، وهم من أشرف الخلق وأكرمهم على ربهم سبحانه وتعالى، وقد وُصِفُوا في كتاب الله بأشرف وصف؛ كما قال سبحانه “وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ” الأنبياء: 26، 27. وقال في وصف عبادتهم وذكرهم له سبحانه: ” وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ” الأنبياء: 19، 20، وقال سبحانه: ” وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ” الشورى:5. ومن مشاهدة عبوديتهم وصلاتهم يوميًّا في الملأ الأعلى، ودخولهم البيت المعمورة للصلاة فيه – ما ثبت في الصحيحين من حديث منْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ – رضي الله عنهما في حديث المعراج الطويل أن الملائكة كل يومٍ تدخلُ البيتَ المعمور في السماوات العلا تُصلِّي لله تعالى فيه، وفيه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ” فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ”. ومن مشاهدة عبوديتهم كذلك: مَن حاله منهم القيام الدائم لله، ومَن حاله منهم السجود الدائم لله تبارك وتعالى، يبيِّن ذلك ما ثبت عندي الطبراني في الكبير وصححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة من حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ: “تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟”، قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: “إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ”.
الشيخ ندا أبو أحمد