ذكر ابن قدامة في كتابه التوَّابين قصةً في بني إسرائيل أن موسى عليه السلام خرج يومًا يستسقي، فلم ير في السماء قزعة – أي سحابة – واشتدَّ الحرُّ، فقال موسى: يا رب، اللهم إنا نسألك الغيث فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى، إن فيكم عبدًا يُبارزني بالذنوب أربعين عامًا، فصِحْ في القوم ونادِ إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عامًا أن اخرج، فقال موسى: يا رب، القوم كثير، والصوت ضعيف، فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى، قل أنت، وعلينا البلاغ، فنادى موسى بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين، فما كان من ذلك العبد العاصي الذي علم أنه المقصود بالخطاب، المرقوم في الكتاب أنه ينادي بعينه بين الخلائق، فلو خرج من بين الجموع، عرف وهتك ستره، وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته، فما كان منه إلا أن أطرق برأسه، وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلَّهم الغيم، وانفتحت السماء بمطر كأفواه القرب، فقال موسى: يا رب، سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد، فقال الله: يا موسى، إن من منعتكم السقيا به تاب، وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب، أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى، سترته أربعين عامًا وهو يعصيني، أفأفضحه وقد تاب إلي وبين يدي؟!
فمن اقترف ذنبًا وهتك سترًا، فليبادر بالتوبة من قريب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتأخير التوبة ذنبٌ يجب التوبة منه، فمن أذنب ذنبًا، فينبغي إليه أن يتوب إلى ربِّه، ويلجأ إلى الصلاة، وأن يكثر من الصلاة ومن العبادات والاستغفار؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقِمْه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقم في كتاب الله، قال: “أليس قد صليت معنا؟”، قال: نعم، قال: “فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال حدك” متفق عليه.