أقام صلى الله عليه وسلم في مكة عشر سنين بعد البعثة وقبل الهجرة يدعو إلى التوحيد وينذر عن الشرك بالله، ويدعوا الأمة إلى طاعة الله وينهاهم عن معصية الله، وبين لأمته أركان الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه. فقال في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم المتفق على صحته وعلى فهم لفظه ومعناه، قال: “بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام”.
فشهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي أصل الأصول، وعلى صحتها مدار القبول وبها توزن الأعمال، في مفتاح الجنة وعنوان السعادة، وكل مفتاح إلا وله أسنان، فلا تصح الأعمال إلا بوجودها ولا يسعد صاحبها بدون الأعمال. إن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غيرُ الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده.
فمن ظن أن مجرد النطق بهذه الكلمة ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولو لم يستيقن بها قلبه، وتعمل بهذا اليقين جوارحه، فقد أخطأ في ظنه؛ لأن كثيرًا ممن يقعون في نواقض الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام يقولونها، فإنْ أختلت شهادة أن لا إله إلا الله من العبد كان مشركًا، وإن أختلت منه متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبتدعًا، فلا بد للعمل أن يكون لله ولابد أيضًا أن يكون على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنّ للعمل ميزانًا في باطنه وهو أن يكون لله، وميزانًا في ظاهره وهو أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإخلاص والمتابعة.