من الأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة كتم السر وعدم إفشائه، ولا يقدر على ذلك إلاَّ ذَوُو الشهامة والمروءة، ومن معاني السِّر لغةً: ما يُكتم في النفس، والجَمْعُ أسرار وسَرَائر، والإِسرارُ خِلاف الإعلان، قال الله تعالى: ” أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ” البقرة: 77. ومما ورد في فضل كتم السِّر، وعدمِ إفشائه: قوله تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ” النساء: 58؛ وقوله سبحانه: ” وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ” الأنعام: 152؛ وقوله عز وجل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” الأنفال: 27. فالأسرار كالودائع التي يجب حفظها. وقد حثَّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على رعاية جانب السر في قوله: “إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ؛ فَهِيَ أَمَانَةٌ” رواه أبو داود. فإنْ كان في إفشاء السر ضرر؛ فإفشاؤه حرام باتفاق الفقهاء، والضرر عام في كل ما يؤذي الإنسان، وأمَّا إذا لم يتضمَّن ضرراً؛ فالمختار عدم جواز إفشائه متى ما طُلِب منه الكتمان، أو دلَّ الحالُ على ذلك، أو كان مِمَّا يُكتم في العادة. قال الحسن رحمه الله: “إنَّ من الخيانة؛ أن تُحدِّثَ بسِرِّ أخيك”.
ومن أعظم الأسرار: ما يجري بين المرء وزوجه؛ ولذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من إفشاء أسرار المعاشرة بين الزوجين بقوله: “إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا” رواه مسلم. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “القلوب أوعية، والشِّفاهُ أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فَلْيحفظْ كلُّ إنسانٍ مفتاحَ سِرِّه”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَعِينُوا على إِنْجَاحِ الحَوائِجِ بِالكِتْمانِ؛ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ” رواه الطبراني أي: اكتفاءً بإعانة الله سبحانه، وصيانةً للقلب عمَّا سواه، وحذراً من حاسد يطَّلع عليها قبل التمام فَيُعطِّلها، فاكتموا، واستعينوا بالله تعالى على الظَّفَر بها. ويُستثنى من ذلك: ما له تعلُّق بمصلحة راجحة؛ كمشاورة أصحاب الخِبرة في ذلك ونحوه.