قال تبارك وتعالى: ” مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ” الفتح: 29. وقال تبارك وتعالى: ” فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ” الحجر: 98. في السجود دمعة صادقة لا يراها إلا مَن سكبت له ومِن أجْلِه، وفيه اعتراف جريء لا يسمعه إلا من وسع سمعه كل شيء، وهنا في السجود طلب ما لا يدري به أحد، وروضة للقلب قبل البدن والروح. عنوان عبودية، ورمز خضوع، وموقف عزٍّ، ومدرسة اعتراف. فسبعة أعضاء تسجد لله وتحمل البدن، كلها متأفِّفة ولا مستكبِرة، بل راغبة مُحبَّة طالبة للعز والرفعة. في روضة السجود جلاء الكبر، ومحو الذنب، وتطهير النفس، وصقْل القلب، فاسجد ففي كلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة، وأقرب ما يكون القلب من الرب إذا سجد، فلا تبخل على نفسك، ولا تعجل في سجودك، فأطِل؛ فاللذة تأتي كلما طال بقاؤك ساجدًا حتى إنك تود ألا ترفع. اسجد باكيًا ويا لذة البكاء في السجود! واسجد سائلاً، وداعيًا، ومسبِّحًا، ومهللاً، متضرِّعًا خاضعًا، فأنت في جنَّة من جنان الدنيا!. اسجد واحمد الله تبارك وتعالى أنْ وفَّقك للسجود، فكم من محروم لا يدري ما السجود! وإن طرَح جبهتَه على الأرض، نقرها نقرًا لا يدري ما قال ولا يعرف ما ذاق. فاسجد للشكر، واسجد للتوبة واسجد للتلاوة، واسجد للسهو في صلاة، ولتكن حياتك سجودًا، فالقلب يسجد لله سجدة لا يقوم منها عبوديَّة وطاعة وامتثالاً ورغبة ورهبة. اسجد وكن من الساجدين، قبل أن ” يوم يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ” القلم: 42، 43.