لا يخفى أثر الذنوب وشؤمُها في الدنيا والآخرة، ولكن بعد وقوعها لا حلَّ إلا علاجها بالتوبة والعمل الصالح؛ ففي الحديث: “إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكِتت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلوَ قلبه، وهو الران الذي ذكر الله؛ ” كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” المطففين: 14؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني، فالتوبة والاستغفار تمحو النكتة السوداء، وإذا مُحيت لا تكون رينًا على القلب. ويحسُن التذكير بشروط التوبة عند كل ذنب: أولًا: الندم على معصية الله سبحانه، وثانيًا: الإقلاع عن الذنب، وثالثًا: العزم على ألَّا يعود إليه، ويُزاد شرط رابع في بعض الذنوب: رد الحقوق إلى أهلها؛ يقول أهل العلم: من حقق هذه الشروط فتوبته نصوح.
ومن غلبته نفسه والشيطان فعاد إلى الذنب، فعليه التوبة مرة أخرى؛ قال ابن تيمية رحمه الله: “ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب، قبِلَ الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصرَّ، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله يحب العبد المفتَّن التَّوَّاب”، وفي حديث آخر: “لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار”. والمؤمن الصالح قد يُبتلى بذنب ملازم يحزنه، فإذا قرنه بالندم الجازم، والاستغفار الملازم، والدعاء الدائم – أنزل الله المددَ والغوثَ، والحفظ والتأييد، ولو بعد حين، وقد يتأخر المدد امتحانًا واختبارًا؛ فالثباتَ الثبات مهما كثرت الجراحات، وإياك وإلقاء سلاح الدعاء، والاستسلام والوقوع في الأسر.
أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: “أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك”.