نحن في هذه الدنيا ضيوفٌ عليها، وخلال رحلتنا هذه نتعرض لكثيرٍ من المحن والابتلاءات، والسعيد مَنْ يرضى بما قسمه الله له، وأنه سبحانه إنما ابتلاه؛ لأنه يحبه، ليختبر إيمانه، ليرى مقدار صبره وقوة تحمُّله؛ كما قال تعالى في كتابه الكريم: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” البقرة: 155 _ 157.
المسلم بصبره وشُكْره لله تعالى، وحُسْن تصرُّفه ساعة البلاء، سيَحيا حياةً طيبة؛ لأنه يدرك أن كل محنة وراءها منحة ربانية، وأن ما هو فيه ليس إلا تمحيصًا لعُمق إيمانه؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: “عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ, إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَّا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خيْرًا لَهُ” رواه مسلم. البلاء قد يأتي بأشكال مختلفة؛ فقد يكون على شكل ابنٍ عاق؛ كما في قصة الغلام في سورة الكهف، وقد يكون مرضًا يُداهم جسدَ الإنسان فجأةً؛ كما في قصة سيدنا أيوب عليه السلام، والذي ضرب لنا أروع الأمثلة في الصبر، وقد يكون فِقدانَ ابنٍ، أو قريب، أو صديق، أو خسارةَ مال، وغيرها من الابتلاءات.
علينا أن نُدرك أننا سنتعرض دومًا لهذه الابتلاءات التي ذكرناها، فالمؤمن مُبتلًى، وإذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه، وبمقدار تفهُّمنا لما نتعرَّض له، وثقتنا بالله تعالى أنه سيجلي هذا البلاء عنا، سيكون الأجر بإذن الله. فالله تعالى ابتلاك ليقربك، ليدنيك منه، ليخرج حب الدنيا من قلبك، ويزرع حب الآخرة لتشتاق إليها، وتسعى لها، وليستخرج عبودية الدعاء له سبحانه والالتجاء إليه ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ” غافر: 60.
من خلال ما سبق علينا أن نعلمَ أن الإنسان المسلم المؤمن بقضاء الله وقدره، يستطيع التصرُّف وقت الابتلاء، ويجد فيه الخير الكثير؛ لأنه موقن أن الله تعالى يريد الخير لنا أكثر من أنفسنا، فيَشكره ويحمَده على ذلك، وأنه سبحانه سيضاعف له الأجر؛ كما قال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إبراهيم: 7.