نزل القرآن مُنجَّمًا؛ لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بتكرار نزول الوحي ساعةً بعد أخرى ويومًا بعد يوم، ويحكي له عن الرسل السابقين، وما آل إليه مصير المكذِّبين والمعاندين، يسليه ويواسيه ويُؤيِّده، ويُبشِّره بأن الله تعالى بالغ أمره، سيجعل بعد العسر يسرًا، وسينصر الله تعالى هذا الدين، وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا. فكان لنزول القرآن منجمًا عظيم الأثر في تثبيت قلوب المؤمنين، واستمرار الدعوة، وزيادة اليقين والإيمان بالله عز وجل. كذلك كان لنزول القرآن بالتكاليف شيئًا فشيئًا، ومرحلةً مرحلةً، عظيمُ الأثر في قَبول هذه التكاليف، والاستجابة لأوامر الله عز وجل، فالعبادات فُرِضت متدرِّجة، والمحرمات المنهيات عنها كان تحريمها بالتدريج؛ لهذا كانت سهلة القَبول والتطبيق. والله عز وجل الحكيم العليم، الخالق البارئ سبحانه، هو خالق الإنسان، فهو سبحانه يعلم ما يصلحه، وما يناسبه، قال تعالى: ” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ” الملك: 14. وهو سبحانه الذي أنزل القرآن من أجل هداية الإنسان، لهذا كان الأمر مناسبًا للخلق،
– ومن أثر التدرج في نزول القرآن تيسير حفظه وفهمه، قال تعالى: ” وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ” القمر: 17. يقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى “من وجوه الإعجاز تيسيرُه تعالى حِفظَه وتقريبه على متحفِّظيه، وسائر الأمم لا يحفظ كتبَها الواحدُ منهم، فكيف الجم على مرور السنين عليهم، والقرآن ميسَّرٌ حفظُه للغلمان في أقرب مدَّة”.
– ومن أثر التدرج في نزول القرآن كذلك تثبيتُ قلبِ النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ” الفرقان: 32، فكان القرآن ينزل حسب الأحداث والوقائع يُجِيب على سؤال، ويحكم في أمر من الأمور، ويضع حلاًّ لأزمة، ويعالج قضية وهكذا.
– ومن أثر التدرُّج في نزول القرآن التيسيرُ ورفع المشقة؛ حيث كانت التشريعات تفرض بتدرج، ويكلف بها على مراحل، فقد كان هناك الحكم المرحلي الذي يعتبر حكمًا نهائيًّا بالنسبة إلى الصحابي في هذه المرحلة، ثم يليه الحكم النهائي، وهكذا.