اعلم أن أصلَ دينِ الإسلام وقاعدتَه العظيمة وأساسَه أمران كبيران: الأول: إخلاص العبادة لله. والثاني: أن تقع تلك العبادة على الوجه المرضي عند الله. فهما شرطان يتحقق بهما إسلام العبد؛ فإن جاء العبد بعبادةٍ لم يخلص فيها لله لم تُقبل، وإن أخلص العبد في عبادة على غير الوجه المرضي عند الله، لم تقبل كذلك حتى يأتي بالشرطين جميعًا:
فأما إخلاص العبادة لله، فمعناه أن تقع جميع عبادات العبد القلبية والقولية والبدنية والمالية خالصةً لله سبحانه وتعالى، فلا يبتغي بها إلا وجه الله والدار الآخرة. وهذا الإخلاص هو الذي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعبده به، قال الله تعالى: ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ” الزمر: 2، 3. والإخلاص: هو التوحيد؛ لأنه ينافي الإشراك والتنديد، وبه أمر الله جميع الناس: ” مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ” البينة: 5، ” وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” الروم: 31، وقال سبحانه وتعالى: ” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ” البينة: 5. والإخلاص: هو الإسلام، ” قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ” الزمر: 11، 12، وقال تعالى: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ” الأنعام: 162، 163. فدلت الآيتان على أن الإسلام هو إخلاص جميع أفراد العبادة لله تعالى، وأن من لوازم ذلك ترك الشرك وهذا هو التوحيد. فإنَّ توحيد العبد يكمُل على قدر إخلاصه، وعلى قدر الخلل في الإخلاص يكون حظه من الشرك والعياذ بالله. وأما الشرط الثاني وهو أن تقع العبادة على الوجه المرضي عند الله عز وجل: فإنه لا يتحقق إلا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها؛ لأننا لا نستطيع أن نعرف الوجهَ المرضيَّ عند الله عز وجل في أي عبادةٍ من العبادات إلا عن طريق رسوله النبيِّ صلى الله عليه وسلم.