البيت نعمة لا يعرف قيمته وفضله إلا من فقده وعاش في ظلمات سجن أو في غربة أوفي فلاة قال تعالى: ” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ” النحل: 80. البيت نعمة من نعم الله على عباده يجد المسلم راحته وهدوء باله وفيه السكن والراحة والمودة في خضم مشاكل الحياة. بيتك فيه زوجتك، رفيقة دربك أم أولادك، من تأنس إليها، وتبثها آمالك وآلامك، وتشاركك أفراحك وأتراحك، وتطلعها على إعلانك وإسرارك.. شريكة دربك التي جعلها الله لك آيةً وسكناً، وجعل بينكما مودة ورحمة. بيتك يضم فلذات أكبادك: أبناءك، وبناتك، الهبات الربانية، والعطايا الإلهية، وزينة الحياة الدنيا، ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ” الكهف: 46. بيتك الذي بذلت فيه ثمار جهد شبابك، كي تقيمه وتعمره، ولم تبخل عليه بمالك وجهدك وتفكيرك.
إنّ طريق الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة لا يبدأ إلا بِصلاح البيوت وتربيتها على الإيمان والقرآن والذكر. أما الخسارة فستكون فادحة وعظيمة يوم يخسر الإنسان أهله ويُضّيع من يعول: ” قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ” الزمر: 15. إن العلاقة الزوجية ليست علاقة دنيوية مادية ولا شهوانية بهيمية فهي أسمى وأعلى من ذلك إذ هي علاقة روحية كريمة إذا ترعرعت ونمت امتدت إلى الحياة الآخرة بعد الممات. “جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ” الرعد: 23. البيت السعيد أمانةٌ يحملها الزوجان وبهما تنطلق مسيرة هذا البيت فإذا استقاما على منهج الله قولاً وعملاً وتزيناً بزينة النفوس ظاهراً وباطناً، وأصبح منطلقاً لبناء جيلٍ صالح وصناعة مجتمع كريم وأمه عظيمة وحضارة راقية يبدأ من صلاح الزوجين فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته. إن البيت الذي لا يغرس الإيمان ولا يستقيم على نهج القرآن ولا يعيش في أُلفةٍ ووئام ينجب عناصرَ تعيش التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاقي، هذا العقوق الذي نجده من بعض الأولاد والعلاقات الخاسرة بين الشباب والتخلي عن المسؤولية والإعراض عن الله والتمرُّد على القيم والمبادئ الذي يعصِف بفريق من أبناء أمتنا اليوم، ذلك نتيجة حتمية لبيت غفل عن التزكية، وأهمل التربية، وفقد القدوة.