إنَّ من أعظم مواقف يوم القيامة الَّتي يجب على المؤمن الإيمان بها، والاستِعْدادُ لها: موقفَ الحساب، قال تعالى: ” مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ” الفاتحة: 4؛ أي: الجزاء والحساب، والمقصود بالحساب أن يُوقف العباد بين يدَي ربِّ العالمين، ويعرفهم بأعمالهم وأقوالهم الَّتي عملوها في الدنيا، وما كانوا عليه من إيمان وكُفْر، واستقامة وانحراف، ويُعطى العباد كتُبَهم بأيمانهم إن كانوا صالحين، وبشمائلهم إن كانوا غير ذلك. قال تعالى: ” إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ” الغاشية: 25 – 26، وقال تعالى: ” فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا ” الانشقاق: 7 – 12.
وروى البخاري ومسلمٌ من حديث عائِشة رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: “ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلاَّ هلك”، فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: ” فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ” الانشقاق: 7-8؟! فقال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: “إنَّما ذلك العرض، وليس أحدٌ يناقش الحساب يوم القيامة إلاَّ عُذِّب” رواه مسلم. والله تعالى يحاسب كلَّ إنسان بمفرده، قال تعالى: ” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ” الصافات: 24، وروى مسلم في صحيحه من حديث عديِّ بن حاتم رضي الله عنْه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: “ما منكم من أحدٌ إلاَّ سيكلِّمُه الله، ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فينظر أيْمنَ منه فلا يرى إلاَّ ما قدَّم، وينظر أشأم منْه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتَّقوا النَّار ولو بشقّ تمرة” رواه مسلم. ومن المؤمنين مَن يدخل الجنَّة بلا حساب ولا عذاب، روى البخاري ومسلم من حديث ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم رأى أمَّته ومعهم سبعون ألفًا يدْخُلون الجنَّة بلا حساب ولا عذاب، وهم الَّذين لا يسْتَرْقون ولا يكتوون ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون. رواه مسلم.