لا يمكن أن نتصور إنسانا بغير ذنوب، ولا يعقل هذا، بقي أن هذه الذنوب منها ما يقع فيه الإنسان مرارا، ومنها ما يقع فيه بين الفينة والأخرى، وهذه التي يقع فيها باستمرار هي التي نريد أن نطرح حلولا عملية للتعايش معها، حتى لا تؤثر على الإحساس الديني لدى الشخص، وحتى يتمكن من التملص منها شيئا فشيئا دون أن يحس باليأس والإحباط في مواجهتها. إن التعايش مع الذنب يقتضي الاستعداد للتوبة المتجددة في كل مرة يقع فيها الإنسان في الذنب، فالاستعداد الدائم للتوبة هو ملاذ المذنبين، وهو العلاج الأمثل الذي يقضي على أوساخ الذنوب، ويغسلها باستمرار حتى لا يبقى من درنها شيء، قال صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى: ” أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ هل يبقى من درنه شيءٌ قالوا لا يبقى من درنه شيءٌ قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا “، وكذلك التوبة إذا تكررت من الإنسان، فإنها لا تزال تغسل ذلك الذنب حتى تمحوه، أو يعفو الله عن صاحبه، فيقلع عن ذنبه إلى غير رجعة. إنك في كدحك إلى ربك لفي مسيرة طويلة، فامسح جبينك كل ما أحسست بالتعب، واغسل يديك كل ما رأيت بهما الأوساخ.
إن معركة الذنوب معركة طويلة الأمد، فعلى العاقل أن يطيل النفس، ويكثر الذخيرة، ويركب عزمه ويجنب يأسه، فليست معركة الذنوب معركة تحسمها في يوم وليلة، إنها معركة متجددة، سجال، يوم لك ويوم عليك، فلا تنظر لذنوبك إلا كعدو يتربص بك أن تضع سلاحك فيميل عليك ميلة واحدة، فابعث عليه عيون الحيطة والحذر، وتترس منه بحصن الدعاء، واحمل عليه بعساكر الاستغفار، واسدد عليه منافذ إمدادات الهوى والشهوة التي يتقوى بها عليك، واقطع عليه مجاريه بالصوم، واستعد للهزائم المتكررة التي يعقبها النصر والظفر، فلا معركة بدون قتلى، ولا نصر بدون جراحات. واحذر كل الحذر أن تُسكن العدو أرضك، وتضع له سلاحك، فإنه لن يرضى إلا باستباحة بيضتك، وإهلاك حرثك ونسلك، وإفساد أمرك كله، حتى يكبك في نار جهنم.