لو كانت الأخلاقُ صفات لازمة، لا يمكن الإنسانَ تغييرُها ولا تبديلها ولا تهذيبها، لَمَا أمر الشرع بالتَّخلي عن الأخلاق المرذولة، والتَّحلي بالأخلاق الفاضلة، قال تعالى: ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ” البقرة: 286، فلا تكليف إلا بمقدور، ولا تكليف بمستحيل، قال تعالى: ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 9، 10. وقد أخرج الخطيب في “تاريخه” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتَّعلُّم، والحلم بالتَّحلُّم، ومَن يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشرَّ يُوقَه” السلسلة الصحيحة. ويبقى السؤال: كيف التخلص من داء الغِيبة؟
يجب على المسلم أن يُكرِّر بين الحين والآخر مطالعة نصوص الوحيين في الترهيب من الغِيبة، والترغيب في حفظ اللسان، وعليه ألا يغيب عنه قول رب العالمين في ذمِّ الغِيبة: ” وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ” الحجرات: 12. فمَن وضع هذه الآية نصب عينيه، فإنه لا يُتصَوَّر منه أبدًا أن يتجرَّأ على الغِيبة، وكذلك عليه أن يتذكَّر كلام النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الغِيبة، وكيف حذَّر منها. فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: “يا أيها الناس، أيُّ يوم هذا؟”، قالوا: يومٌ حرام، قال: “فأيُّ بلد هذا؟”، قالوا: بلدٌ حرام، قال: “فأيُّ شهرٍ هذا؟”، قالوا: شهرٌ حرام، قال: “فإن دماءَكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا” فأعادها مِرارًا، ثم رفع رأسه فقال: “اللهُمَّ هل بلَّغت؟ اللهُمَّ هل بلَّغت؟”.
وليعلم أنه بمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يتعرَّض لغضب الله عليه وسخطه. فقد أخرج الإمام أحمد عن علقمة عن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى عليه سخطه إلى يوم يلقاه”.