بين المغامرة والأسباب القاهرة

زواج القاصرات في الجزائر.. طفولة مسروقة وأمومة منقوصة

زواج القاصرات في الجزائر.. طفولة مسروقة وأمومة منقوصة

يعارض العديد من الخبراء النفسانيين زواج القاصرات في الوقت الذي يؤيده الكثيرون معتمدين على النصوص الدينية والمعتقدات الاجتماعية والعادات والتقاليد لسترة الفتاة، وإن كان زواج القاصرات قد أبيح في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وفي الوقت الحالي، تغير ذلك خاصة مع تغير الذهنيات.

تزوجها ليجعلها خادمة في منزله

هي حكاية الفتاة “غنية”، زوّجها أهلها مباشرة بعد بلوغها سن السادسة عشر، حيث تقول “كنت أسكن في مدينة ريفية وجميع من تصل إلى هذا السن تتزوج وفي بعض الأحيان لا تتعداه، وتعتبر من تصل إلى العشرين سنة عانسا”، لتضيف قائلة “لم أكن صراحة أعلم ما معنى الزواج خاصة وأن أمي كانت دائما توصيني بالاهتمام بالبيت وبزوجي ولا شيء آخر، فعند تقدم أول عريس إلي قبلوا به خاصة وأنه من الجزائر العاصمة ولم يريدوا تفويت الفرصة، دون أن أبدي رأيي في الموضوع خاصة وأنني لم أكن أعرف شيئا عن الشخص الذي سأتزوجه”، ومع مرور الأيام تزوجت غنية لتتفاجأ بعد أيام من العرس بأن الشخص الذي تزوجته يكبرها بالعديد من السنوات وبأنه لم يكن يبحث عن زوجة وإنما عن خادمة لمنزله خاصة وأنه يقيم العديد من الحفلات والسهرات في منزله ولم يجد أفضل من قروية لتقوم بذلك، لتستمر حياتها على هذا النحو حتى قررت طلب الطلاق خاصة وأن حياتها أصبحت لا تحتمل، إلا أن أهلها رفضوا ذلك وبشدة، بحكم عدم وجود فتيات مطلقات في العائلة، غير أنها أصرت على الطلاق، لكن ومع عودتها مباشرة إلى منزل والدها لم تعد تعامل بنفس الطريقة التي كانت تعامل بها من قبل، حيث تقول “أصبحت أُعامل وكأنني شيء نكرة لا وجود له في هذا العالم، فهم لا يسمحون لي بمخالطة الناس والاحتكاك بهم، كما أنهم يراقبونني على كل صغيرة وكبيرة، ويحملونني الذنب كوني اخترت الطلاق، وبأن الرجل الذي اختاروه لي لن أجد مثله ولا في الأحلام”، لتقول في الأخير “اختاروا لي الزوج عندما كانوا هم يفكرون، لكنني اخترت الطلاق عندما بدأت أنا أفكر”.

ولا تختلف قصة “دليلة” كثيرا عن قصة “غنية”، فهي الأخرى تزوجت في سن مبكرة لا يتجاوز الخامسة عشر عاما، أي قبل اكتمال أنوثتها، لتجد نفسها مسؤولة عن بيت يضم عائلة كبيرة جدا، وحسب ما هو ساري في تلك المنطقة فعلى العروس الجديدة أن تفعل كل ما يطلب منها وتقول “دليلة”، “لم أكن أعرف شيئا عن الزواج ولا أعرف حتى ما هي المسؤولية، فعندما خطبوني كنت لا أزال حينها ألعب، لأجد نفسي ربة منزل بين ليلة وضحاها”، لتواصل حديثها “كنت أتلقى الإهانات يوميا من طرف أهل زوجي، ما جعلني أدخل في مناوشات عنيفة معهم، وخاصة من طرف أم زوجي، حيث كنت أتعرض إلى الضرب من طرف زوجي الذي لا يتوانى عن إسماعي الكلمات المعهودة، أنا لم أتزوجك كي أربيك” لتعيش بعد ذلك دليلة حياتها بين كر وفر، فتارة في بيت أهلها، وتارة مهددة بالطلاق، وأخرى تطلب المساعدة من طرف الجيران، وعن طلبها للطلاق تقول “طلبت المساعدة من طرف والدي من أجل أن أطلق، لكنه رفض رفضا قاطعا وقال لي بالحرف الواحد أنا لم أصدق أنني قمت بتزويجك لتعودي إلي مطلقة”.

“سعيدة” تتزوج بشخص يكبرها بنصف عمرها

“سعيدة” كانت في السادسة عشر عندما خطبها “عبد العزيز” الذي يكبرها بعشرين سنة، فبحكم معرفة العائلة به وأنه من نفس القرية، لم يستطع أهلها رفضه، خاصة أنه كان يحضر لهم عند كل زيارة أشياء تنبئ بكرم وجود أخلاقه، ما جعل هذا الشاب فرصة يجب اغتنامها، وأمام إصرار العائلة عليها من جهة وإظهار حبه لها من جهة أخرى، لم تتمكن سعيدة من رفض عرضه للزواج، فهو الذي رسم لها طريق السعادة مزينا بالورود والأحلام الوردية، لتعيش معه حياة كريمة، تكلل الأمر بالزواج، حيث تقول سعيدة عن تفاصيل زواجها “كنت أسعد انسانة يوم عرسي خاصة الزينة والملابس الجميلة التي كنت أرتديها، إضافة إلى ذلك أمضيت أياما جميلة برفقته، فهو كان ودودا وحنونا معي”، لكن حسب سعيدة، فإن الأمور تغيرت مع مرور الوقت، حيث أصبحت تحس بالغربة معه وبفارق العمر بينهما، ما جعلها تربط العديد من العلاقات مع أشخاص من الجنس الآخر في سنها، ما دفعها إلى طلب الطلاق والإصرار عليه.

 

تترك الدراسة في سن الحادية عشر لتتزوج في سن الرابعة عشر

“مريم” هي الأخرى لم يكن حظها أوفر من حظ أختيها فاطمة ووردة، فما إن تحصلت على شهادة التعليم الأساسي حتى قام والدها بتوقيفها عن الدراسة، لتبقى في البيت مدة ثلاث سنوات حيث تقول مريم: “دخلت المستشفى مرتين، ففي المرة الأولى عندما تم إخراجي من المدرسة الابتدائية على الرغم من أنني كنت من بين المتفوقات في الدراسة، والمرة الثانية عندما تمت خطبتي ولم يأخذوا برأيي، حيث أصبت بانهيار عصبي لكوني كنت أرفض الفكرة بتاتا” وعلى الرغم من ذلك فقد تزوجت مريم و أنجبت طفلا عن طريق عملية قيصرية في سن السابعة عشر، وعن كيفية تسجيله في سجل الحالة المدنية، تضيف قائلة: “الأمر مؤجل إلى غاية إتمام السن القانوني”.

“إيمان” تهرب من منزل والدها إلى منزل أمها

عاشت “إيمان” ظروفا صعبة وسط عائلة مفككة، لتبقى تحت رعاية والدها، هذا الأخير لا يتوانى عن تزويج بناته إلى من يدفع أكثر، غير أن إيمان صاحبة السابعة عشر سنة فضلت الهرب من المنزل إلى منزل والدتها، لرفضها فكرة الزواج في هذه السن، مضيفة بأنها لم تنجح في دراستها إلا أنها تفضل التكوين في أي مجال لتضمن مستقبلها ولتتجنب الوقوع في أخطاء والدتها التي لم تجد حرفة تسد بها رمق جوعها.

المواطن الجزائري يرفض اغتصاب الطفولة البريئة

تؤكد “نسرين” صاحبة 25 سنة أن ظاهرة زواج القاصرات عادت وبقوة إلى المجتمع الجزائري، وعن الأسباب تقول: “أظن أن العوز الذي يحيط ببعض العائلات الجزائرية دافع كافٍ للمتاجرة ببناتهم لمن يدفع مهرا أغلى ليسدوا به رمق بعض الأيام”.

في حين ترى “أمينة” أن زواج الفتيات في مثل هذا العمر يعتبر سرقة لمرحلة لم يكتمل عيشها بعد، لتجد الفتاة القاصر المتزوجة نفسها أمام مسؤوليات عظمى قد تكلفها الكثير.

ويرجع “الحاج ناصر” هذه الظاهرة إلى تخوف الكثير من العائلات خاصة الفتيات منهم من العنوسة التي باتت شبحا يهدد الكثيرات، متناسين أن الأمر بيد الله، لذلك لا يجب عليهم أن يرموا بأنفسهم الى التهلكة، فكل شيء في حينه طيب، فالأولياء حسبه مسؤولون أمام الله عن الوضع الذي قد تؤول إليه البنت، كونهم أكثر وعيا منها.

أثار جسدية ونفسية تهدد كيان القاصر

اعتبرت الدكتورة “ش. فاطمة” مختصة في أمراض النساء والتوليد، أن زواج الفتاة قبل اكتمال بلوغها الجسدي، يعتبر نوعا من الاغتصاب لما يخلفه من أثار جسدية، حيث قد تتعرض الى نزيف يترتب عليه استئصال الرحم، بالإضافة الى احتمال الإصابة بأورام، كما أنه عند الحمل تكون الولادة عن طريق إجراء عملية قيصرية.

من جهتهم، يرى الأخصائيون النفسانيون أن سبب زواج الفتاة القاصر يعود بالأساس إلى نمط التربية الذي تلقته، حيث تفتح عيناها على معتقد يفرض عند وصول البنت الى سن معينة أن تتزوج بأول عريس يتقدم لخطبتها وإلا سيفوتها القطار، متجاهلة في الوقت نفسه الأضرار الناجمة عن هذا الزواج، وهذا في ظل غياب الوعي لديها.

أما الأخصائيون في علم الاجتماع فيدعمون ما سبق عن زواج القاصرات دون سن 18 سنة، خاصة في ظل ارتفاع حالات الطلاق في السنوات الأخيرة لأتفه الأسباب، ما يعد تهديدا لكيان الأسرة الجزائرية ولاستقرارها، مضيفين بأن الأولاد هم الضحية الأولى خاصة إذا لم تصل الأم إلى السن القانونية التي يتم فيها العقد القانوني، ما قد يضيع حقوق الأبناء في حال امتناع الآباء عن تسجيلهم.

ق. م