عن عمر ناهز 62 عاماً، أغمض نقيب الفنانين السوريّين عينيه، مساء الأربعاء، بعدما خسر معركته مع التهاب رئوي حاد أصيب به قبل فترة وجيزة.
هكذا، أنهى صاحب شخصية «أبو جودت» مسيرة فنيّة غنيّة بالأعمال التي ترسّخ بعضها في ذاكرة المشاهد، وبالمواقف والمحطات التي لم تخلُ من البلبلة.
كان الرجل واضحاً بصداقاته وجليّاً بخلافاته. يخوضها علناً وبالطريقة نفسها التي يُدلي بها بتصريحاته، ولو كانت في غاية التطرّف والحدّة. هو سيقولها كلّها دفعة واحدة من دون أن يرفّ له جفن أو يخشى الملامة. مع أمثال هذا الرجل، يعتقد كثيرون أنّ الحياة تحلو فعلاً ويأخذ الخلاف شكلاً حيوياً رشيقاً، يعطي مفاصل اليوم الرتيب إيقاعاً متمايزاً.
الممثل السوري الذي تخرّج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دفعاته الأولى (1983)، حجز سريعاً مكانه في الدراما التلفزيونية السورية منذ سنوات تأسيسها، وخلق علامات فارقة في السينما السورية من بينها «رسائل شفهية» و«ليالي ابن آوى» (لعبد اللطيف عبد الحميد) وغيرهما، في حين جسّد أدواراً متباينة في أكثر من 100 مسلسل تلفزيوني تخلّد منها دورَاه المعروفَان: رئيس المخفر «أبو جودت» في سلسلة «باب الحارة» و«المختار البيسة» أو «مختار أم الطنافس» في مسلسل «ضيعة ضايعة».
على خطٍ موازٍ، اختبر زهير رمضان المناصب الإدارية الثقافية والفنية منذ زمن طويل، لكن عموماً لا أحد ينكر أنّ مسيرته كانت مسيجّة بالجدل دوماً. سبق له أن تسلّم منصب مدير المسارح والموسيقى في «وزارة الثقافة» وقد تداول رفاقه ومن عملوا معه في تلك الفترة تحدّيه الصريح للوزير آنذاك في وقت كانت المناصب فيه لا تزال مؤثرة جداً، وتردّد أنه قال للوزير يومها: «تعال لننزل معاً إلى الشارع لنرى على من سيسلّم الناس، وإلى من سيهتمون ليعرف كلّ واحد قدره».
بعد ذلك بسنوات، تسلّم الراحل منصب نقيب الفنانين في سوريا، وأدار النقابة بصرامة وقبضة من حديد، خلّفت سيلاً عارماً من البلبلة التي تمكّن من مجاراتها مع الاستمرار في العمل رغماً عنها. والكلّ يذكر حين اتخذ قرارات بطرد عشرات الفنانين من النقابة، من بينهم أبرز نجوم سوريا على غرار جمال سليمان وحاتم علي وتيم حسن وباسل خياط، بحجة عدم دفع الاشتراكات السنوية. ويومها، حاول أن يقطع الطريق أمام التحليلات التي تشير إلى أنّ الخطوة مبنية على خلفيات سياسية، فراح يجزّ يميناً ويساراً من دون التفريق بين موالٍ أو معارض.
وفي 2020، أعاد ترشيح نفسه في مواجهة فريق من المنافسين الشرسين، على رأسهم فادي صبيح وعارف الطويل ومحمد قنوع وتولاي هارون… ترافق ذلك مع حملة إعلامية شرسة لدرجة أنّ روّاد فايسبوك السوريين نصّبوا صبيح نقيباً قبل الانتخابات النهائية بأسابيع! مع ذلك، ظلّ رمضان هادئاً يعرف ماذا يريد، قبل أن يخوض المعركة متكئاً على خبرته في القانون الانتخابي، وألحق بخصومه هزيمة انتخابية. وتربّع مجدداً على عرش النقابة مردّداً جملته الشهيرة أمام عدسات الإعلام: «من يزرع حنطة يحصدها… نحن نعمل على الأرض وليس على الفايسبوك”.
سنحت الانتخابات الأخيرة الفرصة أمام الإعلام والسوشيال ميديا لتكريس الثنائية التي لعبها مع فادي صبيح كونهما كانا متنافسين على المنصب. فكما في «ضيعة ضايعة»، حيث سبق لـ «المختار البيسة» أن أمضى وقته في قمع «سلنغو» (صبيح) وإبعاده عن حبّ حياته «عفوفة» (رواد عليو)، راح مستخدمو السوشيال ميديا يعيدون نشر مقتطفات من حوارات الشخصيّتين وصورهما، ويمعنون في نشرها أثناء المعركة الانتخابية الحامية.
على ضفّة موازية، امتلك رمضان جرأة استثنائية في الحديث، ونزعة كانت تعطيه سطوة وتجعل محدّثه يستسلم عند أوّل مبارزة بينهما.
ووري الراحل في ثرى مسقط رأسه اللاذقية، الخميس.