من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده: أنه سبحانه يأخُذهم في أوامره بالتدرج؛ ليكون أدعى لامتثالهم؛ ولئلا يثقل العملُ عليهم، وكثيرٌ من التشريعات كانت كذلك، كالصلاة، والزكاة، والصيام. والزكاة – وهي الركن الثالث من أركان الإسلام – وسميت بهذا الاسم؛ لأنها للفطر بعد انقضاء الصيام، وهي عبادة عظيمة بين شعيرتين كبيرتين، هما: الصيام والعيد؛ فلها تعلق بالصيام، من جهة أن فيها شكرًا لله تعالى على الإمهال لإدراك رمضان، وتلك نعمة عظيمة، كما أن فيها شكرًا لله تعالى على الهداية والإعانة على إتمام شهر رمضان صيامًا وقيامًا، وقد أمَرَنا الله تعالى بشكره على ذلك؛ ” وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” البقرة: 185، وجاء عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه خَطَبَ في آخِرِ رَمَضَانَ على مِنْبَرِ البَصْرَةِ فقال: “أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ”؛ رواه أبو داود. وهي ترقِّعُ ما تخرق من صيام العبد؛ ذلك أن العبد محلُّ الخطأ والسهو والجهل، وهذا المعنى جاء في حديث ابنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُّه عَنْهُما قَال: “فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ”؛ رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ.
والصوم يربِّي الصائمين على البذل والإنفاق؛ لأنهم إذا جاعوا وعطشوا تذكَّروا إخوانهم الفقراء، فأشركوهم في طعامهم إفطارًا وسحورًا، أو بذَلُوا لهم من المال ما يسدُّ حاجتَهم، وزكاةُ الفطر تَصِل هذا الإحسانَ والبذل إلى ما بعد الفطر؛ ليبقى الصائمُ على بذْله وكرمِه بعد انقضاء رمضان. ولزكاة الفطر تعلُّقٌ بشعيرة العيد، من جهة أن يومَ العيد يومُ فرح وحبور لعموم المسلمين، فلا ينبغي أن يَستأثر الأغنياءُ بهذه الفرحةِ دون الفقراء، فيكون في إطعامهم فراغًا لهم للعيد؛ ليفرحوا به مع أُسرهم بَدَلَ الكدح وطلب القوت، وإغناءً لهم في ذلك اليوم العظيم، وهذا المعنى منصوصٌ عليه في حديث ابنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُّه عَنْهُما قال: “فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلمَسَاكِين”. وأما مصرفها، فللمساكين خاصة، وليست للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن؛ لما جاء في الحديث: “وَطُعْمَةً لِلمَسَاكِين”؛ ولذا قال العلماء: لا يجوز دفعُ زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهو من يأخذ لحاجته.