بين عقدة الجزائر ومحاولة إنتاج كراهية الماضي

روتايو.. سياسي مغمور ونسخة باهتة من إرث استعماري بائد

روتايو.. سياسي مغمور ونسخة باهتة من إرث استعماري بائد

منذ أن وطأت أقدام الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر، تعاقبت أسماء ومسميات على مشهد الاحتلال، وجمع بينها سجل أسود حافل بالمجازر والجرائم ضد الإنسانية، من بيجو ولامورزييير إلى سانت آرنو وبوسكيه وغيرهم، جميعهم ارتبطت أسماؤهم بسياسات الأرض المحروقة ومحاولات إبادة الشعب الجزائري ومحو هويته الوطنية، وسرعان ما انتهوا إلى مزبلة التاريخ، حاملين ألقاب الجلادين ومطاردين بلعنة شعب لا ينسى.

وبعد عقود من اندحار المشروع الاستعماري، يطل على المشهد الفرنسي وجه جديد – قديم في جوهره، اسمه روتايو، نسخة باهتة من ذلك الإرث المشؤوم. سياسي مغمور وجد نفسه فجأة في موقع المسؤولية، بفضل اضطرابات المشهد السياسي الفرنسي، لا بفضل كفاءة أو شعبية حقيقية. ورغم افتقاده لأي مشروع سياسي واضح، اختار طريقا واحدا يعرفه أسلافه جيدا هو معاداة الجزائر.

 

حقد أعمى.. ونصائح فاشلة

محاطا بمستشاره كزافيي دريانكور، الذي غادر الجزائر مطرودا بعد فشله الدبلوماسي الذريع، يحاول روتايو استنساخ أساليب أجهزة القمع الاستعمارية القديمة، من المنظمة الخاصة “لاصاص” إلى أجهزة الاستخبارات العسكرية التي تلطخت أيديها بدماء الجزائريين إبان الثورة التحريرية. وكأن التاريخ يمكن أن يعود بعقارب الساعة إلى الوراء، وكأن الجزائر 2025 هي الجزائر 1830.

 

سياسات قصيرة النظر تهدد المصالح الفرنسية

الغريب أن هذا النهج العدائي الأعمى تجاه الجزائر لا يشكل تهديدا للجزائر بقدر ما يضع مصالح فرنسا الاستراتيجية على المحك. فالهروب إلى الأمام في ملف الجزائر لم يعد ينطلي على أحد، بل أصبح يعكس عقدة دفينة وانتقاما بدائيا من دولة استعصت على الإخضاع عبر التاريخ. حتى داخل الساحة الفرنسية، لم يسلم روتايو من الانتقادات، حيث اتهمه حتى جوردان بارديلا، الوجه البارز في اليمين المتطرف، بالإفراط في “التواصل العدائي” الذي يعكس تهورا سياسيا أكثر مما يعبر عن سياسة عقلانية.

 

الفرنسيون ملوا أسطوانة الجزائر..

على أرض الواقع، لم تعد الجزائر تشكل أولوية بالنسبة للرأي العام الفرنسي. فاستطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن 75 بالمائة من الفرنسيين يعتبرون أن ملف الجزائر ليس من أولوياتهم. بالنسبة لهم، الجزائر مجرد شماعة تعلق عليها الحكومات المتعاقبة فشلها الذريع في إدارة الأزمات الداخلية، من أزمة القدرة الشرائية إلى ارتفاع المديونية التي تجاوزت 3600 مليار يورو، ناهيك عن أزمات الغذاء والطاقة التي أغرقت الطبقات الوسطى في دوامة الفقر المزمن. في هذا السياق، يصبح الحديث عن ترحيل الجزائريين أو التضييق على “المؤثرين الجزائريين” مجرد مسرحية مكشوفة، هدفها حرف الأنظار عن القضايا الحقيقية التي تؤرق المواطن الفرنسي.

 

الجزائر.. عقدة التاريخ التي لا تموت

بالنسبة للجزائر، لا يعدو روتايو كونه ظاهرة صوتية عابرة أو فقاعة صابون لا يطول بها الوقت لتندثر في الهواء، سيلتحق قريبا بطابور طويل من الفاشلين الذين سبقوه. فالجزائر التي واجهت أبشع استعمار استيطاني دموي في التاريخ، وخرجت منه منتصرة، لا يمكن أن تهتز أمام تهديدات سياسية جوفاء. تاريخيا، كانت الجزائر مقبرة الغزاة، ومصدر كوابيس لكل من حلم بإخضاعها. صمد الشعب الجزائري أمام آلة القمع والإبادة الفرنسية لعقود، وخرج منها أكثر قوة وصلابة، مؤمنا بأن سيادة الأرض وهوية الشعب خطوط حمراء لا تقبل المساومة. اليوم، ومع تغير موازين القوى الإقليمية والدولية، تواصل الجزائر ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية وشريك استراتيجي في إفريقيا وحوض المتوسط، بينما تواصل فرنسا التخبط في أزماتها البنيوية، حاملة عقدة “الجزائر المستقلة” في لا وعيها السياسي، لتثبت مجددا أن الجزائر ستبقى الصخرة التي تتحطم عليها أوهام المستعمرين الجدد.

محمد بوسلامة