رواية “ظل الغريب” لأحمد المديني… غوص في خبايا العلاقة بين الجزائر والمغرب

رواية “ظل الغريب” لأحمد المديني… غوص في خبايا العلاقة بين الجزائر والمغرب

عرفت العلاقة المغربية الجزائرية توترا، منذ حرب الرمال في أكتوبر/تشرين الأول 1963، وامتدت القطيعة والحرب الباردة إلى يومنا هذا، وقبل هذا التاريخ كانت العلاقة بين البلدين علاقة مصيرية، خاصة أيام الثورة الجزائرية، حيث انخرط المغرب إلى جانب الثورة الجزائرية واحتضن جزءا منها كما احتضتنها تونس من الطرف الثاني.

بين البلدين والشعبين فصلت بينهما الجغرافيا وبعض الخلافات، تأتي آخر روايات الروائي والناقد المغربي أحمد المديني “ظل الغريب” لتعيد فتح النوافذ المغلقة من جديد، لتهب منها رياح الماضي، في سياق جغرافي وتاريخي معقد يعود به إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.

ويقول المديني، “خبرت هذه القصة منذ سنوات طويلة فاتت، في زمن الجمر المغربي، رواها لي بطلها علي بن زروال نتفا، ونسيتها، لأعود إلى جمعها جمع الأشلاء، لتستوي سردا هو حاضر ماض ما زال جاثما، ولألبس جلد بطلها، وتسكنني روحه، فأكون هو، وهو حتما ليس أنا”.

في رواية الهجرة هذه، الوجوه تتعدد، والحكايات تسرد وتتناسل، والأحداث كثيفة وتتكاتف، والخطابات غضب ووله وشجن، ومقام ورحلة بن زروال تتشعّب إلى مسارات، وبجواره تتمدد مروحة شخصيات. كم هي واقعية، حقيقية، وأخرى من وحي الخيال.

تأتي رواية ظل الغريب، بعد “ممر الصفصاف” كمغامرة خارج الحدود، في أفق مغاربي وعربي فسيح هو التاريخ والوجدان المشترك لشعبين؛ “أيها القارئ اللبيب، أراهن أنك سترى وتسمع وتحيا العجيب في قصة هذا الغريب، ووعد الحق، كلا، لن تخيب”.

في رواية “ظل الغريب” الصادرة عن المركز الثقافي العربي، تتداخل السيرة الذاتية مع التاريخ، حيث ترصد الرواية مسار حياة شخصية “علي بن زروال” المناضل المتعاطف مع اليسار المغربي، وهو أستاذ التعليم الثانوي من مدينة الدار البيضاء، يسافر إلى الجزائر العاصمة في إطار عقد مع وزارة التربية الوطنية الجزائرية لتدريس مادة التاريخ والجغرافيا بثانوية الأمير عبد القادر.

يغادر علي بن زروال، المغرب إلى الجزائر على وقع محاولة الانقلاب على الملك التي قادها الجنرال أوفقير أحد المقربين للملك، المغرب يدخل شبه فوضى سياسية، حيث عم الرعب الجميع، المناضلون يلاحقون من قبل الشرطة ويرمون في السجون دون محاكمات.

في الجهة الأخرى، النظام الجزائري يستقبل الآلاف من المناضلين المغاربة المناهضين للحكم الملكي. في ظل هذه الظروف يصل علي بن زروال الجزائر العاصمة، مدينة تعيش على وقع الاحتفالات المستمرة بنشوة الاستقلال، حيث المواطنون البسطاء والمسؤولون على جميع المستويات وفي كل القطاعات يعيشون حالة سيكولوجية غريبة .

في هكذا أوضاع يصل بن زروال إلى الجزائر حاملا معه رسالة سرية من أحد المناضلين المغاربة إلى رفيق له يقيم في الجزائر كلاجئ سياسي، ومن الليلة الأولى التي يصل فيها الجزائر والتي سيقضيها الأستاذ بن زروال في مخفر للشرطة بعد أن تعذر عليه العثور على غرفة في أحد فنادق العاصمة، حيث كل الغرف محجوزة.

يقترح عليه أن يستعين بالخدمات التي يقدمها الآباء اليسوعيين الذين يملكون مقرا فيه بعض الغرف لإيواء بعض المحتاجين مؤقتا، ليستقر به المقام هناك، ونظرا إلى انضباط الحياة في هذا المكان الديني، وهو ما حد من حرية بن زروال وجعله يشعر بالقيد في يديه، يأتي الخلاص أخيرا بأن وضعت وزارة التربية الوطنية بيتا تحت تصرفه، والكائن بحي تليملي الراقي والمطل على ميناء العاصمة، والذي كان الفرنسيون يطلقون عليه اسم شرفات العاصمة، في هذا البيت يستعيد البطل حريته ويبدأ في اكتشاف المدينة ومن خلالها صورة الجزائر في منتصف سبعينات القرن الماضي.

وتنتهي رواية “ظل الغريب “التي تمتد على 408 صفحة بمغادرة بن زروال العاصمة عبر القطار دون إنذار، حتى قبل نهاية الموسم الدراسي، حيث يعود إلى المغرب بعد أن يجره اشتياق حبيبته وأيضا يشعر بنوع من السأم في مدينة ضاجة لكنها تبدو وكأنها دون روح، وأنها مدينة جميلة في الشكل لكنها متآمرة على الجمال في العمق.

ومن خلال تفاصيل روائية يستعيد أحمد المديني تاريخ الأمير عبد القادر وما قدمه المغرب شعبا للثورة الجزائرية وكيف أنه احتضن الثوار في المدن والقرى المغربية وأن أب البطل علي بن زروال نفسه كان واحدا من الذين استقبلوا الثوار الجزائريين في بيته بالدار البيضاء. وتعود رواية “ظل الغريب” وبكثير من التدقيق والتأريخ لما كانت عليه الجزائر العاصمة من حياة ثقافية وسياسية، حيث يأتي الروائي على ذكر كثير من الأسماء التي كانت تنشط الساحة الثقافية والفكرية الجزائرية القادمة من المشرق أو من أوروبا، أمثال لطفي الخولي، الباهي حرمة، محمد علي الهواري، محمد عزيز الحبابي، الفقيه البصري

ب.ص